مواقف وطرائف وغرائب فى مؤتمر الأمم المتحدة
فى نيويورك لم تكن قاعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وحدها هى خشبة الأحداث، بل تحولت الشوارع والأرصفة ودهاليز الفنادق إلى مسرح جانبى خطف الأضواء من خطب الزعماء وأرقام القرارات. هناك حيث تذوب البروتوكولات الحديدية فى لحظات عابرة، وحيث تتحول صورة أو لقطة عفوية خلال ساعات إلى مادة عالمية للجدل. ضحك وارتباك ونظرات مشتعلة ومصافحات لم يتوقعها أحد، كلها رسمت لوحة موازية للقمة، أقرب إلى مسرحية مليئة بالمفارقات والألوان. مشاهد قصيرة صنعت السردية الأبرز، من زعيم يتيه فى شارع مغلق إلى رئيسة وزراء تحكم بنظرة، ومن زوجة غاضبة فى طائرة إلى رئيس استخبارات يصافح مطارده السابق، ورئيس أمريكى تتعثر خطواته فوق سلم. هكذا بدت الأمم المتحدة فى الكواليس كرنفالاً متناقض حيث اللعب والضحك والجد والحب يختلطون فى مشهد واحد.
أما دونالد ترامب فقد واجه سلسلة لقطات كوميدية سوداء. البداية مع سلم متعطل، تلتها أزمة فى جهاز التلقين، ثم مشاكل صوتية أربكت خطابه. ترامب لم يكتف بالابتسام، بل اتهم علنا جهات خفية بمحاولة تخريب ظهوره وطالب بتحقيقات لحفظ الأدلة. الإعلام صاغها كدراما ثلاثية بعنوان: السلم والمايك والتلقين. بينما أنصاره اعتبروها دليلاً جديدًا على مؤامرات تعرقل رسالته.
السيدة الأولى السابقة ميلانيا ترامب خطفت المشهد مرتين. الأولى حين وقفت بجوار زوجها بوجه جامد لا يعكس حماسته، والثانية الأكثر إثارة حين التقطتها العدسات داخل الطائرة الرئاسية فى نقاش محتدم مع دونالد ترامب. حركات اليدين بدت غاضبة، والنبرة مشتعلة، فانطلقت التكهنات: هل هو خلاف عابر أم انعكاس لشروخ أعمق؟ بالنسبة للمراقبين، بدت تلك اللقطة أكثر صدقا من أى خطاب سياسى. وتذكر الجميع مشاجره ماكرون مع زوجته على متن الطائرة.
ووجد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون نفسه عالقا وسط شارع مغلق بعدما أوقفه رجال الشرطة بسبب موكب رسمى، فظهر مرتبكا ما استدعى إلى إجراء مكالمة هاتفية بنظيره الأمريكى كأى مواطن ينتظر إشارة المرور فى مشهد نادر الحدوث. اللقطة انتشرت كالنار فى الهشيم، قبل أن يتكرر المشهد ذاته مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى اصطدم هو الآخر بصرامة الشرطة الأميركية. التعليقات الساخرة غمرت المنصات.
وأما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى فقد واصلت لعبتها غير المقصودة، إذ تحولت تعبيرات وجهها إلى مادة إعلامية قائمة بذاتها. نظرة واحدة منها خلال لقاء جانبى، لم تكن عابرة هذه المرة، بل موجهة مباشرة إلى الرئيس السورى أحمد الشرع، أشعلت مواقع التواصل وأطلقت عشرات التأويلات. البعض قرأها كرسالة سياسية مقصودة تحمل معنى أعمق من أى خطاب، فيما تعامل آخرون معها ككوميديا سياسية تجسد صراع العيون وسط دهاليز القمة. المؤكد أن ميلونى أثبتت أن لغة النظرات قد تهز الطاولة أكثر من نصوص البيانات.
والجدل الأكبر كان من نصيب الشرع، الذى ظهر فى لقاء مباشر مع مدير الاستخبارات الأمريكية السابق، الرجل نفسه الذى عرض قبل سنوات مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تؤدى إلى توقيفه. الآن يجلسان وجها لوجه فى نيويورك فى جلسة بدت ودية. المفارقة صدمت الذاكرة السياسية، وأطلقت سيلا من العناوين: من «المكافأة» إلى «المصافحة»، هكذا طويت سنوات من المطاردة الأمنية تحت مظلة مصالح جديدة.
وبينما كان بنيامين نتنياهو يستعد للسفر إلى نيويورك للمشاركة فى اجتماعات الأمم المتحدة، سرقت ألوان ملابسه وملابس زوجته سارة الأضواء قبل أن يبدأ خطابه. فقد ارتدى بدلة سوداء مع قميص أبيض وربطة عنق حمراء، فيما اختارت سارة بدلة خضراء، ليجد المراقبون أنفسهم أمام لوحة كاملة بألوان العلم الفلسطينى. وسائل التواصل الاجتماعى انفجرت بالتعليقات بين ساخرين ممن وصفوا المشهد بـ«زلة الأزياء» وبين من رأى فيه رمزية غير مقصودة.

