في الحلقة الخامسة من الموسم السابع والعشرين للبرنامج الأشهر في أمريكا "ساوث بارك"، والتي عُرضت ليلة الأربعاء، الماضي، تعرض نتنياهو لانتقادات لاذعة ومعه ترامب الذي وصفه البرنامج أنه تحركه مصالحه لدعم إسرائيل.
السخرية القاسية من رئيس وزراء إسرائيل في أكثر البرامج متابعة في أمريكا (يتجاوز عدد مشاهديه 50 مليون مشاهد سنويًا) تمثل تحولًا ثقافيًا عميقًا في وعي امريكا، حيث لم تعد إسرائيل "الضحية"، بل الجلاد. حيث تدخل بطلة الحلقة الكرتونية
"شيلا بروفسكي" الى مكتب نتنياهو بعد أن تتابع الأخبار المروّعة عن الحرب على غزة، حاملة في يدها بعض الصور ومقاطع الفيديو لضحايا القصف. يجلس نتنياهو خلف مكتبه محاطًا بالحراس والعلم الإسرائيلي، بنظرة باردة وواثقة.
شيلا بروفسكي (غاضبة):
"لقد تجاوزت كل حدود العقل، يا سيد نتنياهو! تقتل الآلاف، تسوي الأحياء بالأرض، ثم تلتف حول نفسك بالدين وكأنه درع تحميك من النقد!"
أنت تُصعّب الأمور على اليهود، وخاصةً على اليهود في الولايات المتحدة!
نتنياهو (بهدوء متعالٍ):
"إسرائيل تدافع عن نفسها، وهذا حقنا الشرعي. نحن نحارب الإرهاب، لا الأبرياء."
شيلا:
"بل تخلق جيلاً جديدًا من الكراهية! تجعل من الدين غطاءً للدمار، وتدفع اليهود الأمريكيين إلى مواجهة الكراهية بسببك! أنت لا تمثلنا، ولا تمثل اليهودية التي أعرفها!"
(تتقدّم نحوه وتضع أمامه صورة لطفل فلسطيني مغطّى بالدماء)
شيلا:
"انظر إلى هذا الطفل، هل هو إرهابي أيضًا؟ هل هذه هي العدالة التي تتحدث عنها؟!"
نتنياهو (صامت للحظات، ثم يشيح بنظره):
"العدو لا يترك لنا خيارًا."
شيلا (بحزم):
"بل أنت من لا يترك خيارًا للعالم سوى أن يراك كما أنت... رجل يختبئ خلف شعارات زائفة ليبرر الإبادة".
كانت هذه الحلقة بمثابة إعادة كتابة التاريخ الإعلامي الأمريكي وصفعة ثقافية لإسرائيل، تُظهر أن المجتمع الأمريكي بدأ يرى الحقيقة بلا تجميل. وتخلص من سحر جماعات الضغط الصهيونية.
نتنياهو مجرد قاتل مجرم حرب ولا شك أن هذا الانقلاب في المزاج الأمريكي حطم آخر سد كان يحتمي به رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يرتكب جرائم الابادة والتدمير في غزة.
إن إسرائيل تقف اليوم أمام مرآة العالم، لا ترى فيها سوى وجهها الحقيقي الذي طالما حاولت إخفاءه خلف دعاوى القوة والديمقراطية. مرآة تكشف زيف الرواية وتعرّي الكيان الذي بُني على الاحتلال والدم، وتضع قادته أمام محكمة الضمير العالمي، بعدما تحوّلوا من "رموزٍ للأمن والقوة" إلى رموزٍ للجنون والعزلة والانهيار.
لقد انكشفت الحقيقة كاملة: دولةٌ فقدت بوصلتها، وزعيمٌ تائه في أوهام العظمة، لا يسمع حتي أصوات شعبه الذي يحاصر منزله بالمظاهرات الغاضبة مطالبا اياه باطفاء النيران التي أشعلها على مدار عامين في بلاده، وحتي قبل سفره الأخير لمنتدي الأمم المتحدة
حشود من المواطنين يحتجون في مطار بن جوريون
مطالبين بالتوصل إلى اتفاق وإنهاء الحرب. ولكنه بدل من أن ينتبه الي الرسالة الأخيرة من شعبه استمر في انفصاله عن الواقع ليقود بلاده إلى هاوية العزلة والانهيار. ويشاهد ويسمع ذلك بنفسه في استاد الامم المتحدة بنيويورك.
حين كان مناحيم بيجن رئيسًا للوزراء، وأغرق إسرائيل في مستنقع لبنان عام 1982، اجتمع المتظاهرون أمام منزله حاملين لافتات تُحصي القتلى من الجنود، وتعمقت الازمة بعد تداعيات مجزرة صبرا وشاتيلا و وتدهور الوضع الداخلي فغمره شعور المسؤولية، وقرر الاستقالة عام 1983، احترامًا للدماء واعترافًا بالخطأ. كانت مشاهد الاحتجاج أمام منزل مناحيم بيجن مؤلمة وبسيطة في آنٍ واحد: لافتات تُحدّث عدد القتلى والجنود الساقطين في لبنان، وجمهور يضع أمام زعيم الدولة كشف حساب أخطائه ويدفعه لتحمل مسؤولية ما حدث.
الرأي العام، الضاغط ذلك المرآة الصادقة أمام السلطة، لم يكن مجرد ضجيج بل عامل دفع فعلي قاد إلى استقالة بيجن في خريف 1983 . هذه الواقعة
تدل علي ان هناك لحظات في السياسة لا يغفر فيها التاريخ من يتنصّل من الواقع أو يتجاهل أثر قراراته
فبيجين الاشد تطرفا بمراحل عديدة من نتنياهو لانه يدرك أن عجلة التاريخ بطيئة، لكنها تسحق من يحاول الوقوف في طريقها استقال، بعكس نتنياهو، الذي لا يعرف معنى المسؤولية؛ و يختبئ خلف جدران التعصب والابادة ويعزل نفسه عن صرخات الأمهات ونداءات عائلات المخطوفين. ويغمض عينه أمام الدمار والخراب والعزلة التي جلبها لبلاده.
يعيش في عالمٍ من الوهم، يري نفسه عبقريًا فريدًا، بينما يراه العالم رجلًا فقد صلته بالواقع، عالقًا في جنون العظمة، يقود دولته إلى التدمير الكامل والشامل..
أن الأمر لدى نتنياهو دائمًا له بوصلة واحدة ما هو الأفضل له شخصيًا. كان الأمر كذلك، وسيبقى كذلك إلى الأبد.
لقد كانت عملية طوفان الأقصى لحظةً مفصلية في تاريخ الصراع غيرت المعادلة وكسرت هيبة الجيش الإسرائيلي، وأثبتت أن القوة لا تعني القدرة على الحسم، وأن الشعوب الحرة قادرة على مفاجأة الإمبراطوريات. لم تهزم العملية إسرائيل في الميدان العسكري فقط، بل هزمتها أيضا في المجال الاقتصادي وقود الحرب.
فعلى الصعيد الاقتصادي، تنزف إسرائيل من كل الاتجاهات.
الديون تجاوزت 500 مليار شيكل، والاستثمارات الأجنبية تهرب بوتيرة غير مسبوقة.
قطاع التكنولوجيا، الذي كان فخر الاقتصاد الإسرائيلي، انكمش بنسبة 12% منذ اندلاع الحرب، وتراجعت قيمة الشيكل أمام الدولار إلى أدنى مستوى منذ عشر سنوات.
أما السياحة، فانخفضت بنسبة 80%، فيما توقفت مشاريع البنية التحتية الكبرى.
تعيش إسرائيل الآن أسوأ أزمة مالية في تاريخها؛ خسائر البورصة تجاوزت 30 مليار دولار، وهروب استثمارات أجنبية مباشرة بأكثر من 12 مليار دولار، وتراجع حاد في الناتج المحلي و الجيش يستهلك الموازنة، والمجتمع يرزح تحت تضخمٍ خانق، بينما يحاول نتنياهو إقناع شعبه بأن "إسرائيل ستتحوّل إلى إسبارطة الشرق الأوسط"، وهي كذبة سياسية مفلسة لشعبٍ بات يرى الحق بعينيه، ويخرج بالآلاف في مظاهرات ضده مطالبًا برحيله، بعدما فهم أن الدم لا يبني أمنًا، ولا العدوان يصنع مجدًا.
وأن “أسبارطة نتنياهو” ليست سوى دولة محاصرة اقتصاديًا، ممزقة سياسيًا، منبوذة عالميًا..
يؤكد ذلك موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تنهال كالسيل، معلنة سقوط المشروع الصهيوني أخلاقيًا وسياسيًا.
ولعلّ المفارقة التاريخية الكبرى أنّ قطبي العالم اللذين شهدا ميلاد وعد بلفور ووقّعا اتفاقية سايكس بيكو – أي إنجلترا وفرنسا – هما اليوم في طليعة الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين، في مشهدٍ يحمل دلالاتٍ عميقة، إذ تعترف قوى الاستعمار السابقة بأنّ تقسيمها القديم للمنطقة بمثابة فيتو أمام محاولة إسرائيل العبث بالحدود الجغرافية لاقامة إسرائيل الكبري التي تحدث عنها نتنياهو مؤخرا.
ومن جهة أخرى يعد هذا الاعتراف بفلسطين من رموز التاريخ الاستعماري يمثل صفعة دبلوماسية لإسرائيل، ويؤذن بعهدٍ جديد تتراجع فيه شرعية الاحتلال أمام موجة العدالة الدولية.
فمعظم دول العالم وخاصة أوروبا تقول الآن لإسرائيل القادم ليس كالماضي، هناك أفعال بعيدا عن شعارات التنديد، فإعلان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن سفينة حربية إسبانية سترافق أسطول الصمود العالمي المتجه إلى غزة، يُعتبر تطورًا نوعيًا لا يقل أهمية عن الموقف الإيطالي. الذي أعلن حماية أسطول الصمود، فهذا الإعلان يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة:
ينقل أوروبا من الحياد إلى المواجهة: إسبانيا، وإيطاليا كدول أوروبية وتنتمي للناتو، تُدخل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما يعني أن حماية المدنيين وكسر الحصار لم تعد مجرد شعار، بل قرار عسكري معلن. يعمق عزلة إسرائيل:
فوجود سفن حربية إيطالية إسبانية على خط المواجهة البحرية يعني أن إسرائيل باتت تُعامل كدولة مارقة في المتوسط، تواجه إدانة سياسية وعسكرية من داخل أوروبا ذاتها.
و يظهر أن أوروبا الجنوبية (إسبانيا – إيطاليا) بدأت تُشكّل محورًا جديدًا يُعيد صياغة معادلات ردع ضد إسرائيل، وهي رسالة إلى الداخل الإسرائيلي: مفادها أن الغرب الذي طالما وفر الغطاء أصبح اليوم يقف علنًا في صف كسر الحصار عن غزة.
ويضع إسرائيل في مرمى مواجهة مفتوحة مع أوروبا على المستويين السياسي والعسكري.
فوجود قوة عسكرية أوروبية في البحر المتوسط إلى جانب مصر وتركيا في المناورات الأخيرة يجعل من المنطقة حقل ألغام سياسي وعسكري، يضاعف الضغط على إسرائيل بغطاء سياسي من إنجلترا وفرنسا وبلجيكا والعديد أيرلندا، والعديد من الدول التي اعترفت مؤخرا بدولة فلسطين، وفي الوقت ذاته، خرج وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتو بتصريحات تاريخية، أكد فيها أن بلاده، كعضو في المحكمة الجنائية الدولية، ستعتقل نتنياهو ووزير حربه إذا دخلا أراضيها، تنفيذًا لمذكرات التوقيف الدولية.
هذه الموجة من الدعم الأوروبي تمثل تحولًا استراتيجيًا في الوعي الغربي، من التواطؤ إلى المواجهة، ومن الصمت إلى الفعل..
وعلي ضفة شرق المتوسط في السياق الاخر تأتي
مناورات مصر وتركيا لتعلن ولادة معادلة جديدة في شرق المتوسط، فقد جمعت دماء غزة مصر وتركيا، أعداء الأمس، في تناغم سياسي وعسكري غير مسبوق، تُوّج بالإعلان عن مناورات بحرية مشتركة في شرق المتوسط.
فحماقة نتنياهو أطاحت بحلم أن تكون إسرائيل شرطي المنطقة بغطاء خرافة "الديانة الإبراهيمية" وعنكبوت التطبيع.
إن مصر وتركيا — أعداء الأمس — في تقارب سياسي وعسكري، غير مسبوق الآن، هذا التقارب بين أكبر جيشين في المنطقة سيعيد رسم خريطة النفوذ في المتوسط ويزيد من عزلة إسرائيل.
مما جعل بعض المراقبين يذهبوا الي أن عواقب سياسات نتنياهو تجاوزت الفضاء السياسي إلى مسرح بحري جديد.
فمناورات مصر وتركيا خطوة رمزية واستراتيجية معًا،
فهذه المناورات البحرية والجوية أول تدريب بحري مشترك لهما منذ عام 2012. وهي لا تعيد فقط ترميم العلاقات الثنائية، بل تصوغ معادلة بحرية جديدة: شرق المتوسط يتحوّل تدريجيًا إلى منطقة نفوذ بحري مصري–تركي، يهدد مشاريع التحالف الإسرائيلي–القبرصي–اليوناني.
في كافة المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية خاصة الطاقة والبنية التحتية، فهذا التفاهم بين أكبر جيشين في المنطقة رسالة واضحة بأن توازنات القوة تتغير، وأن إسرائيل لم تعد اللاعب الوحيد في المياه الدافئة، بل أصبحت محاصرة بتحالفات جديدة تُعيد لمصر وتركيا ثقلهم الإستراتيجي. ..
ويدرك الإعلام الإسرائيلي أن المعادلات تتبدل والأرض تهتز تحت أقدام إسرائيل، فقد أقر الإعلام العبري نفسه، بأن ثمن الحرب على غزة علي مدار عامين بات باهظًا جدًا، وأن إسرائيل أصبحت دولة منبوذة ووحيدة وممزقة داخليا.
القناة 13 العبرية لم تعد قادرة على التستّر، فأقرّت بأن الحرب على غزة أرهقت إسرائيل وأوصلتها إلى عزلة غير مسبوقة. إسرائيل باتت منبوذة في العالم، ولم يعد يساندها سوى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أصبح هو الآخر رمزًا للغضب العالمي بسبب تحالفه الأعمى مع نتنياهو. هنا تنكشف الأكاذيب وتنهار الدعاية، ويظهر للعالم وجه الاحتلال العاري.
ولم يعد النقد يأتي فقط من الخارج؛ بل من الداخل الإسرائيلي ذاته. فقد هاجم نتنياهو الإعلام العبري، واتهمه بالتقصير في "الحرب الدعائية". غير أن محرر الشؤون العسكرية في يديعوت أحرونوت، يوسي يهوشواع، ردّ عليه بسخرية مُرّة: "كيف لدولة تعرف تفاصيل حياة قادة إيران والعرب أن تفشل أمام إعلام حماس؟". والجواب جاء من الشارع العالمي: الحقيقة لا يمكن طمسها. ملايين البشر يرون النزوح الجماعي، ودماء الأطفال والنساء، وانهيار الأبراج، وانقطاع الكهرباء والماء والوقود. الإعلام هنا ليس "مهارة"، بل هو الميدان نفسه، حيث غزة لم تهزم ولم ترفع راية الاستسلام.
لقد كسبت المقاومة الفلسطينية معركة الرواية تمامًا كما كسبت معركة الصمود. العالم اليوم لا ينظر إلى غزة بعين الشفقة فقط، بل بعين الاحترام. تضحياتها تُذكّر بدماء مليون شهيد جزائري حرروا أرضهم.
الحقيقة أن هذا الانتصار الإعلامي ليس دعاية، بل انتصار للحقيقة ذاتها، التي لم يعد يمكن إنكارها أو تزييفها.
فعلي منصة الأمم المتحدة وقف الرئيس التشيلي غابرييل بوريك ليقول:
"لا أريد أن يُقتل نتنياهو بصاروخ، بل أريد أن أراه هو وكل المسؤولين عن الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية".
ثم جاء المشهد المهين: انسحب معظم قادة دول العالم من القاعة أثناء إلقاء نتنياهو كلمته، في موقف لا يصدر إلا عن الشرفاء، ليتركوه وحيدًا في مقعده الأممي، رمزًا للعار والخذلان، ومثالًا على السقوط الأخلاقي والسياسي.
وفي السياق نفسه، دعا رئيس كولومبيا إلى تشكيل جيش عالمي لتحرير فلسطين، واصفًا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بـ"مجرم الحرب"، بسبب دعمه لنتنياهو في جرائمه ضد الفلسطينيين، مؤكّدًا أن الإنسانية لا يمكن أن تقف على الحياد أمام الإبادة. ..
لقد انهار السد، وبدأت موجة الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية تجتاح المشهد السياسي. لم يعد الاعتراف مقصورًا على دول هامشية، بل انضمّت دول أوروبية وأمريكية لاتينية وآسيوية، في لحظة تاريخية تعكس تغيّرًا عميقًا في الموقف العالمي من القضية الفلسطينية. هذه الموجة لم تكن وليدة المصادفة بل حصاد لعملية طوفان الاقصي التي غيرت وجه المنطقة من قلب غزة المحاصرة، انها عصا يحيى السنوار التي ضرب بها فذهب الليل وأشرق شمس فلسطين واسيقظ ضمير العالم علي صور النزوح الجماعي بغزة. هذه الصور لم تستطع إسرائيل إخفاءها رغم كل ما تملكه من أدوات دعائية. الحقيقة وحدها كانت كفيلة بأن تكشف زيف الاحتلال وتفضحه على شاشات الضمير العالمي
جعل الدول تتسابق في الاعتراف بحق دولة فلسطين في الحياة، ليشكل هذا الاعتراف طفيتو غربيا صريحا ضد مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فبينما يطمح هذا المشروع إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وغزة وسوريا ومصر والسعودية والعراق، فإن الاعتراف بفلسطين على أساس حدود عام 1967 يرسخ فكرة الدولة الفلسطينية ذات الحدود الواضحة، ويقوض أي ادعاء إسرائيلي بالسيادة على الأراضي المحتلة. هذا الموقف الغربي يبعث برسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي لا يدعم أي حلول أحادية الجانب أو توسعية على حساب الحقوق الفلسطينية، مما يجعل الاعتراف خطوة سياسية عملية ضد التوسع الجغرافي. الذي اعلنت عنه إسرائيل.
إن ما يواجه حكومة نتنياهو اليوم ليس مجرد موجة عابرة، بل تسونامي سياسي شاهده العالم
علي الهواء مباشرة من اجتماعات الأمم المتحدة وصدر الحكم...
لقد كسبت غزة معركة الإعلام والرواية، مثلما كسبت معركة الصمود. العالم لم يعد ينظر إليها بعين الشفقة بل بعين الاحترام. المقاومة التي لم ترفع راية الاستسلام قدّمت للعالم صورة جديدة عن شعب يواجه آلة الحرب الأعنف ويصمد. دماء غزة صارت شهادة مكتوبة بحروف الحرية، لقد تحولت غزة، بدمائها وتضحياتها وصمودها، إلى نجمة تهدي العالم إلى حقيقة طال انتظارها: أن فلسطين ستولد من جديد، مهما طغى الاحتلال..
فاليوم، لم تعد إسرائيل تلك الدولة التي تُفرض روايتها على العالم، بل أصبحت في مواجهة مع الضمير العالمي.
عزلة سياسية، وانهيار اقتصادي، وحصار إعلامي، وانهيار مشروع التطبيع وتراجع استراتيجي، كل ذلك يُنذر بأن الأسطورة قد انتهت، وأن مرحلة جديدة بدأت، يكون فيها الحق الفلسطيني هو العنوان، وتكون غزة هي البوصلة، ويكون العالم الحرّ هو السند.
لقد تحطّمت مرآة الأكاذيب، وبات نتنياهو يرى وجهه الحقيقي:
وجه زعيمٍ يقود شعبه نحو الهاوية، وسقوطٍ لا قيام بعده، فحين يتكلم الضمير، تصمت البنادق وتنتصر فلسطين.