ماكرون يعترف بدولة فلسطين ويشكر مصر

الرئيس الفرنسي يطلب اعتراف متبادل بإسرائيل والسعودية تتجاهل
خطط أمريكية لانسحاب إسرائيلي مقابل قوات عربية وإعمار ممول خليجياً
أشعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المشهد السياسي الدولي بإعلانه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال قمة استثنائية عقدت في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في خطوة غير مسبوقة من دولة أوروبية كبرى منذ سنوات طويلة.
القرار الفرنسي، الذي رافقته مبادرة لإنشاء قوة استقرار دولية بتفويض أممي لتأمين غزة بعد الحرب، وضع باريس في مواجهة مفتوحة مع كل من واشنطن وتل أبيب، في وقت تحاول فيه القوى الدولية رسم ملامح مرحلة ما بعد الصراع الدامي في القطاع.
ماكرون أكد في كلمته أن اللحظة الراهنة تتطلب شجاعة سياسية، معلنا أن الوقت قد حان لإنهاء المجازر والحصار والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، ومشددا على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس هو السبيل الوحيد لإحقاق العدالة. الرئيس الفرنسي لم يكتف بإعلان الاعتراف بل طرح رؤية شاملة لما بعد الحرب، تضمنت الدعوة إلى تشكيل قوة استقرار دولية واسعة النطاق بمشاركة عربية وغربية، وبقيادة الأمم المتحدة، تتولى إعادة بناء مؤسسات الحكم المحلي وتأمين دخول المساعدات الإنسانية، مشيرا إلى أن فرنسا تعمل بالتنسيق مع مصر وقطر والولايات المتحدة في هذا الملف.
قال ماكرون إن حماس قد هُزمت عسكريا عبر استهداف قادتها وصانعي القرار فيها، لكن هزيمتها السياسية يجب أن تتم من خلال نزع شرعيتها وتفكيك بنيتها بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار. وأوضح أن هناك حاجة إلى جهد جماعي هائل لإغاثة سكان غزة الذين وصفهم بالمعدمين، موجها الشكر إلى مصر والأردن على التزامهما في هذا المجال، ومؤكدا أن إسرائيل ملزمة بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل. الرئيس الفرنسي أشار أيضا إلى أنه سيفكر في إنشاء سفارة فرنسية في فلسطين، لكنه ربط ذلك بوقف شامل لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن الذين لا يزالون محتجزين لدى حماس.
رد الفعل الإسرائيلي كان غاضبا وسريعا، حيث صرح مسؤول عبر صحيفة ديلي تلغراف أن إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس مطروح كخيار انتقامي ضد باريس، فيما تداولت وسائل إعلام عبرية تحذيرات من احتمال مصادرة مواقع ذات رمزية تاريخية تخص فرنسا، أو حتى ضم مساحات إضافية من الضفة الغربية. الخطوة الفرنسية أعادت إلى الواجهة تصريحات ماكرون السابقة في أبريل، حين ربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بجملة من الشروط بينها اعتراف عربي متبادل بإسرائيل، غير أن وزير الخارجية السعودي الذي استضاف حينها اجتماعا مع ماكرون لم يعلن عن التزام واضح بهذا الطرح.
فيما أشادت السلطة الفلسطينية بالقرار واعتبرته شجاعا وتاريخيا. لكن الولايات المتحدة وإسرائيل قاطعتا الجلسة بشكل كامل، واعتبر البيت الأبيض أن الخطوة الفرنسية لا تساعد في تحرير الرهائن وتشكل مكافأة فعلية لحماس. الإدارة الأميركية أرسلت أيضا تحذيرات لحلفائها من أن الاعتراف قد يقود إلى أزمة دبلوماسية كبرى مع إسرائيل، التي قد ترد بخطوات ميدانية أحادية.
الموقف الأوروبي لم يتوقف عند فرنسا وحدها، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز من على منبر الأمم المتحدة أن فلسطين يجب أن تحصل على العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، مؤكدا أن هذا المؤتمر يمثل بداية جديدة وليس نهاية الطريق. وفي تطور متسارع انضمت بريطانيا وكندا وأستراليا إلى فرنسا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قبل أن تلحق بها دول أوروبية أصغر مثل موناكو وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورج وأندورا، لترتفع نسبة الدول المعترفة إلى ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة.
اعتبر الأمين العام أنطونيو غوتيريس أن إقامة الدولة الفلسطينية حق مشروع للشعب الفلسطيني وليست مكافأة سياسية، منددا في الوقت نفسه بكل من هجمات حماس المروعة في السابع من أكتوبر والعقاب الجماعي الذي يتعرض له سكان غزة. وفي مداخلة عبر الفيديو، وبعد أن رفضت واشنطن منحه تأشيرة، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، داعيا حماس إلى تسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية ومؤكدا أنه لن يكون لها أي دور في حكم غزة مستقبلا. عباس شدد على أن أي حل لا يمر عبر السلطة الشرعية لن يكتب له النجاح، مدينا في الوقت ذاته قتل واعتقال المدنيين من قبل كل الأطراف.
أما إسرائيل فاختارت مهاجمة الاجتماع علنا، حيث وصف سفيرها لدى الأمم المتحدة داني دانون الجلسة بأنها سيرك سياسي محرج، في حين جددت إدارة ترامب موقفها المتشدد وقال البيت الأبيض بوضوح إن الاعتراف الأوروبي يمثل مكافأة لحماس، وأكد أن ترمب سيهاجم المؤسسات العالمية في خطابه أمس باعتبارها سببا في تدهور النظام الدولي.ومن المقرر أن يلتقي ترامب قادة من تركيا ومصر وقطر والإمارات والسعودية لمناقشة خطط إعادة الإعمار ومستقبل غزة، غير أن أيا من المؤشرات لم تلمح إلى أن واشنطن ترى في السلطة الفلسطينية بديلا مقبولا لحماس حسب موقع أكسيوس ، تريد واشنطن أن توافق الدول العربية والإسلامية على إرسال قوات عسكرية إلى غزة لتمكين انسحاب إسرائيل من القطاع والمساعدة في تمويل إعادة إعمار القطاع المدمر بعد انتهاء الحرب
أما البيت الأبيض على لسان المتحدثة كارولين ليفيت رد بأن ترامب يرفض هذا المسار تماما، وأكد أن الرئيس أوضح موقفه بالفعل خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا حيث أعلن بجوار رئيس الوزراء كير ستارمر أنه يرى في الاعتراف بدولة فلسطينية خطوة لا تخدم تحرير الرهائن ولا ضمان أمن إسرائيل.
العرب من جهتهم استغلوا اجتماع نيويورك لإرسال رسائل قوية إلى ترامب، إذ أكدوا أنهم لن ينضموا إلى أي قوة دولية في غزة ما لم تمنح السلطة الفلسطينية دورا أساسيا في الحكم. كما شددوا على أن خريطة الطريق المستقبلية يجب أن تقوم على حل الدولتين بشكل واضح، مع استبعاد أي توسع استيطاني أو ضم جديد. وزيرة الخارجية الإماراتية لانا نسيبة أعلنت أن الضم سيكون خطا أحمر يقوض جوهر اتفاقيات إبراهيم التي وقعت عام 2020 مقابل تعهد إسرائيلي بعدم ضم الضفة. واضاف وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول أن أي خطوة ضم غير قانونية ستدمر فرص السلام، معتبرا أن حل الدولتين التفاوضي، مهما بدا بعيدا، هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع.
القرار الفرنسي لم يمر دون انتقادات داخلية، حيث وصف محللون الخطوة بأنها رهان محفوف بالمخاطر قد يصطدم بالواقع الميداني. قال الباحث ديفيد خلفا من مؤسسة جان جوريس إن ماكرون أسقط كل الشروط التي وضعها في أبريل مثل الإفراج عن الرهائن ونزع سلاح حماس وإصلاح السلطة الفلسطينية والاعتراف العربي المتبادل بإسرائيل. وبحسب خلفا، فإن الاعتراف لم يعد نهاية عملية سياسية بل أصبح نقطة بدايتها، وهو انقلاب كامل في المعادلة الدبلوماسية.
وأشار إلى أن ماكرون يخاطر بإغضاب الإسرائيليين وتخييب آمال الفلسطينيين معا، لكنه في الوقت نفسه يسعى إلى استعادة مكانة فرنسا التي تراجعت طويلا في الشرق الأوسط.
ودعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بدوره كل الدول إلى أن تحذو حذو فرنسا والدول الغربية الأخرى، مؤكدا أن الاعتراف يفتح الباب لإحياء حل الدولتين.