رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي


في كتابه الشهير "Republic.com"، يكشف كاس سنشتاين عن حقيقة "غرف الصدى" (Echo Chambers). هذه الغرف ليست سوى فضاءات معزولة حيث يتردد صدى صوتك فقط، ولا يظهر أمامك إلا ما يؤكد آراءك. وهكذا، يُصبح الفرد محاصرًا في عالمه الخاص، منقطعًا عن الآخرين، وتزداد قناعته بصحة مواقفه حتى يصبح أكثر تصلبًا.
تزيد هذه الغرف من تأثير فقاعات التصفية، حيث يميل الأفراد داخل هذه الفقاعات إلى التفاعل بشكل أكبر مع الأشخاص المتشابهين في التفكير. هذا التفاعل المستمر لا يعزز فقط من صحة وجهات نظرهم الحالية، بل يُهمش أيضًا الأصوات المعارضة، ويخلق بيئة لا يوجد فيها مجال للاختلاف أو النقاش البناء. فما يبدأ كخوارزمية بسيطة للتخصيص، ينتهي كحلقة مفرغة من التأييد الذاتي، حيث تتردد الأفكار وتتضخم حتى تصبح الحقيقة الوحيدة المتاحة.
تشكل هذه الظاهرة تحدياً كبيراً، ويمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة. فمن ناحية، يقلل الحصار في بيئة رقمية لا نرى فيها إلا ما يتوافق مع قناعاتنا من قدرتنا على التفكير النقدي ويُقوي وجهات النظر الضيقة. ونتيجة لذلك، يفقد الأفراد القدرة على التعاطف مع الآخرين أو فهم دوافعهم، مما يُغذي الجهل ويُضعف الفضول الفكري.
ومن ناحية أخرى، تزيد هذه الظاهرة من الاستقطاب المجتمعي. ففي غرف الصدى، يُصبح الآخر المختلف مجرد "خصم" يجب دحضه، لا شريكاً في الحوار. هذا الاستقطاب يجعل من الصعب على الناس إيجاد أرضية مشتركة، ويُحوّل الخلافات الفكرية إلى صراعات شخصية، مما يهدد نسيج المجتمع ويُقسّمه إلى مجتمعات متناحرة.
أما الخطر الأكبر، فهو القابلية المتزايدة للتأثر بالمعلومات المضللة. تُصبح غرف الصدى بيئة خصبة لانتشار الأخبار المزيفة والدعاية. فداخل هذه الحلقات المغلقة، لا يجد المحتوى الكاذب أي مقاومة، حيث لا يوجد صوت معارض يدحضه، مما يزيد من احتمالية تصديق المعلومات المضللة وتأكيدها، ويُشكل تهديداً خطيراً على الوعي الجماعي.
في ضوء هذا الفهم، يضع سنشتاين على عاتقنا مسؤوليةً أكبر من مجرد لوم التكنولوجيا. فلكي نكسر جدران غرف الصدى، يجب أن نتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة أنفسنا أولاً، وأن نُدرك أن انتمائنا لجماعة ما لا يُبرر كراهيتنا للآخر المختلف. إن الحل يكمن في بناء جسور من التفاهم بدلًا من إقامة جدران، وفي تحويل الحوار من صراع على "صحة الرأي" إلى رحلة مشتركة نحو فهم أعمق للواقع.