إﻗﺼﺎء ﻣﻔﺎﺟﺊ ﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﻴﻦ أﻣﺮﻳﻜﻴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﻠف اﻟﺴﻮري
»اﻟﺸﺮع«: اﻻﺗﻔﺎق ﻣﻊ ﺗﻞ أﺑﻴﺐ ﺿﺮورة وﻃﻨﻴﺔ

شهدت البعثة الأمريكية الخاصة بالملف السورى، المعروفة باسم «المنصة الإقليمية لسوريا» التى تتخذ من إسطنبول مقرا لها، هزة مفاجئة بعدما جرى الاستغناء عن بعض كبار الدبلوماسيين العاملين فيها خلال الأيام الأخيرة، وفق ما كشفه خمسة مصادر مطلعة إلى رويترز. وتأتى هذه الخطوة فى وقت حساس تسعى فيه واشنطن إلى دفع حلفائها الأكراد فى الشمال الشرقى السورى نحو الاندماج فى مؤسسات الدولة المركزية تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع.
المنصة، التى تُعد بمثابة البعثة الأمريكية الفعلية إلى سوريا منذ إغلاق السفارة الأمريكية فى دمشق عام 2012، تخضع لإشراف المبعوث الأمريكى الخاص توم باراك، وهو مستشار وصديق قديم للرئيس دونالد ترامب. باراك، الذى تولى مهمته فى مايو الماضى، قاد تحولا جذريا فى السياسة الأمريكية تجاه سوريا قائما على دعم وحدة الدولة تحت قيادة الشرع، الذى صعد إلى السلطة فى هجوم خاطف أواخر العام الماضى.
أوضحت رويترز أن عددا محدودا من موظفى المنصة أُبلغوا بشكل مفاجئ بانتهاء مهامهم الأسبوع الماضى فى إطار عملية «إعادة تنظيم» للفريق، وأن القرار لم يكن نتيجة خلافات سياسية مع باراك أو البيت الأبيض. غير أن دبلوماسيا غربيا أكد أن عملية الإقصاء ارتبطت بتباين فى وجهات النظر داخل الفريق بشأن التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن وكيفية دمجها فى أجهزة الأمن الوطنى التابعة للدولة.
واكتفت وزارة الخارجية الأمريكية بالقول إنها لا تعلق على «قرارات إدارية أو متعلقة بالموظفين»، مشددة على أن الطاقم الأساسى العامل على الملف السورى لا يزال يواصل عمله من عدة مواقع.
باراك كان قد مارس ضغوطا متزايدة على قيادة قوات سوريا الديمقراطية للإسراع فى إقرار اتفاق جرى التوصل إليه فى مارس مع الشرع، يقضى بعودة المناطق التى تسيطر عليها هذه القوات إلى سلطة الدولة ودمج مقاتليها فى أجهزة الأمن الوطنية. لكن هذه الضغوط واجهت مقاومة واضحة من جانب قادة الأكراد الذين قاتلوا طويلا إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية إبان فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد. هؤلاء القادة يطالبون بصيغة حكم أقل مركزية تضمن لهم الاحتفاظ بالحد الأدنى من الحكم الذاتى الذى اكتسبوه خلال سنوات الحرب الأهلية.
تفاقمت التوترات هذا العام مع اندلاع اشتباكات متقطعة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة وقوات سورية وتركية مدعومة من جهة أخرى فى مناطق الشمال الشرقى، وهو ما زاد من شكوك الأكراد تجاه أى اندماج كامل تحت سلطة الشرع.
فى المقابل، واصل باراك مساعيه فى الداخل السورى، حيث ظهر فى دمشق مشرفا على توقيع وزير الخارجية السورى خطة لمعالجة الأزمة مع الطائفة الدرزية فى الجنوب. وكتب لاحقا عبر منصة «إكس» أن الخطة تهدف إلى ضمان «المساواة فى الحقوق والواجبات للجميع».
يثير ابعاد الدبلوماسيين الأمريكيين من مواقعهم تساؤلات حول توجهات السياسة الأمريكية الجديدة فى سوريا، خصوصا فى ظل تحولات دراماتيكية يشهدها المشهد السورى بعد سقوط الأسد وصعود الشرع، وما يرافق ذلك من تعقيدات تتعلق بدور الأكراد، الموقف التركى، وتوازنات القوى الإقليمية. وبينما تؤكد واشنطن أن هذه التغييرات «إدارية»، يرى مراقبون أن الصراع على كيفية إعادة صياغة العلاقة بين الأكراد والدولة السورية هو السبب الجوهرى الكامن وراء هذا الزلزال الدبلوماسى.
وفى السياق اكد أحمد الشرع أن المفاوضات الجارية بين دمشق وتل أبيب قد تُسفر عن نتائج ملموسة «فى الأيام المقبلة»، مشددا على أن الاتفاق الأمنى المزمع يمثل «ضرورة وطنية».
وأوضح الشرع فى مؤتمر صحفى بدمشق أن أى اتفاق يجب أن يحترم الأجواء السورية ووحدة الأراضى، وأن يكون خاضعا لرقابة الأمم المتحدة لضمان الالتزام ببنوده. وأشار إلى أن سوريا وإسرائيل كانتا قبل أشهر قريبة جدا من بلورة إطار أولى لاتفاق أمنى، قائلاً إن الطرفين «كانا على بُعد أربعة إلى خمسة أيام فقط» من التوصل إلى تفاهم فى يوليو، لكن الأحداث التى اندلعت فى محافظة السويداء الجنوبية عطّلت المحادثات حينها.
وأضاف الشرع أن المفاوضات الحالية تركز على وضع آليات توقف الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على الأراضى السورية، وكذلك على بحث انسحاب القوات الإسرائيلية التى توغلت فى جنوب البلاد خلال الأشهر الماضية. وأعرب عن أمله فى أن تشكل هذه الخطوة بداية مسار يضمن الاستقرار الإقليمى ويمنع مزيدا من التصعيد العسكرى.
وكشف موقع «أكسيوس» عن السناتور لينزى جراهام قوله إن وزير الخارجية السورى سيناقش فى واشنطن رفع العقوبات الأمريكية المتبقية على بلاده، وقال جراهام إنه سيدعم إلغاء تلك العقوبات إذا تحركت سوريا رسمياً نحو إبرام اتفاق أمنى جديد مع إسرائيل وانضمت إلى تحالف ضد تنظيم «داعش» الإرهابى.
من جانبه قال مصدر فى وزارة الخارجية السورية فى دمشق لوكالة الصحافة الفرنسية أمس الخميس، إن سوريا وإسرائيل ستُبرمان «اتفاقيات متتالية» قبل نهاية العام الحالى تأكيد لتصريحات الشرع، فيما غادر وزير الخارجية السورى بريطانيا متوجها إلى الولايات المتحدة فى إطار البحث عن الاتفاق الأمنى مع تل أبيب.