«يا خبر»
صدر مؤخرا كتاب مشترك لـ رورت مالى المسئول الأمريكى، الذى عمل فى الإدارات الديمقراطية منذ عهد بيل كلينتون، وحسين أغا مفاوض السلام الفلسطينى السابق المقرب من الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، حمل الكتاب عنوان «الغد هو الأمس: الحياة والموت والسعى لتحقيق السلام فى إسرائيل/فلسطين»، ويروى قصة أكثر من ثلاثة عقود من الفشل فى تفعيل حل الدولتين.
يتفق الكاتبان فى أن فرص حل الدولتين تتلاشى ومصطلح «حل الدولتين» لم يعد ممكنا لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وحمّلا واشنطن مسئولية ذلك الإخفاق، ويُشير المؤلفان إلى أن هدف إقامة الدولة الفلسطينية ربما كان دائما عقيما، ولم تتوفر له أى فرصة للنجاح فى ظل رفض الولايات المتحدة ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل.
«حل الدولتين» فى رأيى كان دائما المرجع لكل الأطراف الدولية عندما تتصاعد المقاومة وتشتد الأزمات، ومنذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، كان محورا لمفاوضات مكثفة شاركت فيها أطراف دولية كثيرة لكن مع الأسف كانت النتيجة دائما تساوى صفر أو غير ملموسة، ورغم ذلك ظل الطرح قائما ربما فقط لنتحدث عنه ليس أكثر، فحتى بعد السابع من أكتوبر برز حل الدولتين مرة أخرى كأحد النتائج المباشرة للحدث، وأكد الرئيس الأمريكى السابق بايدن وكبار مسئولى الأمن القومى فى إدارته بأن «حل الدولتين» هو السبيل الوحيد لخلق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية لكنه بقى مجرد كلام.
لكن يبدو أن الرئيس دونالد ترامب لديه قولا آخر، ففى ظل إدارته تكللت مساعى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والتى يبذلها منذ سنين لقتل «حل الدولتين» بالنجاح، فى وقت تعمل فيه إسرائيل على ضم الضفة الغربية وتنفذ تطهيرا عرقيا فى غزة بدعم كامل من الرئيس ترامب.
الواقع الآن على الأرض بات مأساويا، وفيه تغييب متعمد للقانون الدولى فى ظل تكاثر المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وتدمير قطاع غزة حتى بات موضوع حل الدولتين فكرة غير قابلة للتطبيق.
عودة إلى كتاب مالى وأغا وتعليقا على عقود من الجهود التى قادتها الولايات المتحدة لحل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، دون جدوى يقول مالى فى الجزء الخاص به من الكتاب: «عندما أعود بالذاكرة إلى الوراء، أتساءل عن مدى إيماننا الحقيقى -كأمريكان- بالهدف الذى قلنا إننا نسعى إليه»، ليخلص إلى أن تلك المساعى انتهت إلى رماد.
قد تكون لقصة لقاء الكاتبين وتعارفهما وصداقتهما لاحقا، علاقة وطيدة بموضوع الكتاب، حيث كان لقاؤهما الأول فى عام 1999 فى ذروة الحديث عن «حل الدولتين» وحماسة الولايات المتحدة لإمكانية تحقيق السلام.
روبرت مالى، من أصول مصرية، فوالده سيمون مالى، يهودى مصرى وكان قوميا عربيا ملتزما بمناهضة الصهيونية، وقد عرّف ابنه روبرت فى شبابه على ياسر عرفات خلال رحلة عائلية إلى الجزائر، وشغل روبرت مالى منصب الممثل الخاص لباراك أوباما فى الشرق الأوسط، وقاد مفاوضات الاتفاق النووى الإيرانى، وكان مبعوثا خاصا للرئيس جو بايدن إلى إيران، وعمل إلى جانب زميله السابق فى المدرسة الثانوية، أنتونى بلينكن، وزير خارجية بايدن.
لدى روبرت مالى رؤية تحترم للصراع العربى الإسرائيلى، فلم يكن لديه نفس التحيز الفطرى تجاه إسرائيل كالذى كان لدى العديد من زملائه فى الإدارة الأمريكية، ولم يكن متشبعا بالثقافة الصهيونية الليبرالية التى شكلت رؤية العديد من المسئولين الأمريكيين الذين عمل معهم طوال حياته فى مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، إذ كان جزء من الفريق الذى نظم قمة كامب ديفيد عام 2000، خلال الولاية الثانية للرئيس كلينتون، ولهذه الأسباب، فإن روبرت مالى كان مكروها من طرف اليمين المؤيد لإسرائيل، والذى راق له إيقاف مالى فى عام 2023 عن عمله فى إدارة بايدن بسبب تحقيق فى تعامله مع وثائق سرية، وأعرب مالى لاحقا عن أسفه لأنه بسبب إيقافه عن العمل لم يتمكن من الاستقالة من إدارة بايدن بسبب دورها فى الأعمال الوحشية الإسرائيلية فى غزة.
الخلاصة: فى خضم هذا الواقع الراهن المرير أرى أن «حل الدولتين» يواجه تحديات أكثر من أى وقت مضى، فى ظل تعمد نتنياهو، بدعم أمريكى، قتل «حل الدولتين» وقتل أى حل قد يلوح فى الأفق للصراع الفلسطينى الإسرائيلى.