رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

عددهم 2700.. وينظرون 550 ألف قضية سنويًا

خبراء المحاكم.. أزمة العدالة الناجزة

بوابة الوفد الإلكترونية

آليات العمل غير صالحة.. والمواطنون يدفعون الثمن

«نوال»: أنتظر البت فى قضيتى منذ 3 سنوات

«عمر»: رحلة عذاب مع معاينة الخبير فى قضية طلاق

 

العدالة الناجزة حلم طال انتظاره، فمنذ سنوات تبحث العديد من الجهات فى كيفية تحقيق هذا الحلم سواء من خلال الميكنة، أو من خلال زيادة عدد الدوائر القضائية وغيرها من الحلول، إلا أن مشكلة الخبراء ظلت واحدة من أهم العراقيل التى تعوق تحقيق هذا الحلم، فعدد الخبراء قليل بالنسبة للقضايا التى تعرض أمامهم، وبالتالى أصبحوا أحد أهم أسباب تأخر الفصل فى القضايا، وهو ما زاد من معاناة آلاف المتقاضين الذين تظل قضاياهم معروضة أمام المحاكم لسنوات طويلة.

ومن المعروف أن تأخر البت فى القضايا ينتج عنه العديد من المشاكل والتى قد تصل فى بعض الأحيان إلى جرائم، لا سيما قضايا الإرث التى تأخذ وقتا طويلًا فى المحاكم، فعندما تنتدب المحكمة خبيرًا لنظر القضية والمعاينة وإرسال تقريره، تظل القضية معلقة بالأشهر وقد تصل لسنوات، ما بين جلسات تتطلب حضور طرفى النزاع، أو قيام الخبير بمعاينة المكان موقع النزاع، وإذا حدث أى خلل أثناء المعاينة ينصرف الخبير ويرد القضية للمحكمة لتعاد الإجراءات مرة أخرى، ثم تعاد للخبير بعد ذلك وتظل القضية لسنوات فى المحاكم، ما يزيد من المشاجرات بين أطرافها والتى تصل للقتل فى بعض القضايا.

وفى تصريحات سابقة لرئيس نادى خبراء وزارة العدل، المهندس محمد ضاهر قال إن عدد القضايا التى تحال إليهم كبير مقارنة بعدد الخبراء، موضحًا أن عدد الخبراء على مستوى الجمهورية يصل إلى 2700 خبير، تحال إليهم 550 ألف قضية سنويا، وعلى الخبير أن ينجز 14 قضية شهريًا على الأقل وكتابة التقرير فى القضية الواحدة يحتاج لشهر ونصف تقريبا.

وأشار الى أن التقرير السنوى لمؤشرات الإنجاز بوزارة العدل لسنة 2023 ذكر أن الوزارة قامت بتنفيذ 16 مشروعًا لرفع كفاءة وتطوير مكاتب الخبراء على مستوى الجمهورية منها 6 مشروعات بالوجه البحرى، و7 بالوجه القبلى، و3 محافظات بالمنطقة المركزية، ومشروع واحد بمدن القناة وسيناء.

وكما يعانى الخبراء من ثقل المسئولية المعلقة فى أعناقهم، يعانى المواطنون أيضا من من تأخر البت فى قضاياهم بسبب تقارير الخبراء وهو ما كشف عنه عدد من المواطنين الذين التقينا معهم، حيث قالت الحاجة نوال صاحبة الـ60 عامًا، أنا بنت وحيدة ولدى شقيقان، وبعد وفاة والدى انتظرت حتى بدأ  أشقائى فى تقسيم التركة التى كانت تقدر بملايين حينها أرضًا زراعية وعقارات بخلاف أرصدة البنوك، ولكنى فوجئت برفض أشقائى إعطائى حقى فى الميراث، وحدثت خلافات بيننا تدخل فيها الأهل وكبار القرية، إلا أنهم رفضوا بحجة أن البنت لا ترث، فلجأت للقضاء كى أحصل على حقى، ومنذ أكثر من 3 سنوات والقضية فى المحكمة، وفى كل مرة تتعطل بسبب الخبير، الذى حدد جلسات معى ومع أشقائى إلا أنهم لا يحضرون، وانتهى الأمر بإعادة القضية للمحكمة مرة أخرى، ثم عادت للخبير بعد جلسات استمرت لأشهر، وفى يوم المعاينة حدثت مشاجرة وتعدى شقيقى عليّ وعلى نجلى الأكبر وحاول منع الخبير من المعاينة، فما كان منه إلا أن تركنا بعد أن سجل ما حدث لتعود القضية للمحكمة مرة ثالثة.

نفس الأمر تكرر مع ماجدة صاحبة قضية نزاع على الإرث ايضًا، وحكت قصتها قائلة «بقالى 5 سنين فى المحاكم عشان أخذ ورثى من شقيقى الوحيد الذى استولى على أملاك والدى بعد وفاته وحرمنى حقى، وقام بتزوير وصية وعقود ملكية بالأرض وبيت العائلة وعقار آخر، فأقمت دعوى قضائية للحصول على حقى وإثبات تزويره، ولكن القضية تعطلت كثيرًا بسبب الخبير وتلاعب شقيقى حتى فقدت الأمل مع الحصول على حقى.

وقال عمر 35 عامًا موظف بأحد البنوك زوجتى رفعت قضيتى طلاق وتبديد بعد أقل من عام من زواجنا، رغم انى أحسنت معاملتها من اليوم الأول وقمت بتجهيز شقتنا كاملة ولم أكلف أهلها أى شىء، وبرغم ذلك تمردت على حياتها وملأ الطمع قلبها وقررت مع أهلها إقامة دعوى الطلاق والحصول على المؤخر، والأثاث والذهب وكل شيء، ليس ذلك فحسب بل كانت تنوى إلحاق الضرر بى فى عملى بعدما صدر ضدى حكم فى قضية التبديد، فاقمت دعوى استئناف على الحكم، وأمرت المحكمة بعرض القضية على الخبير لمعاينه العفش ومطابقته مع قائمة المنقولات، وتكرر الأمر 3 مرات وهى ترفض استلام المنقولات برغم أن قرار الخبير فى كل مرة أنه مطابق ولكن رفضها الاستلام يعيد القضية من البداية.

وأضاف فى كل مرة كنت أنقل العفش فى سيارة وأحضر عمال للمحكمة فى مكان مخصص لمعاينة الخبير، الذى قام فى الثلاث مرات بالمعاينة ولكن رفض الزوجة الاستلام يعيد القضية، ولا يعتد بتقرير الخبير الذى يقول إن الأثاث مطابق للقائمة، فلماذا يتم انتداب الخبير إذا كان تقريره لا يعتد به؟

وتعليقًا على هذا أوضحت الدكتورة إلهام المهدى، المحامية، أن تقارير الخبراء تُعَدُّ جزءًا أساسيًا من منظومة العدالة، حيث تعتمد المحاكم عليها فى الفصل فى العديد من القضايا الفنية والمعقدة. ومع ذلك، تواجه هذه التقارير تحديات كبيرة تؤثر على سرعة وكفاءة إعدادها، ما ينعكس سلبًا على سير العدالة، وترجع هذه التحديات إلى عدة عوامل، أبرزها القوانين القديمة التى لم تعد ملائمة للتطورات الحالية، والإجراءات البيروقراطية المطولة، وغياب الأدوات الحديثة. لذلك؛ يُعَدُّ إصلاح المنظومة التشريعية وتطوير آليات عمل الخبراء أمرًا ضروريًا لضمان تحقيق العدالة بكفاءة وفعالية.

وأضافت أن الخبراء يواجهون فى عملهم عدة صعوبات منها: قلة عدد الخبراء المتخصصين فى مختلف المجالات ما يؤدى إلى تراكم القضايا وتأخير إعداد التقارير، حيث إن عدد الخبراء فى مصر لا يتجاوز 3000 خبير موزعين على 42 مكتبًا فى جميع المحافظات، ما يجعل كل خبير يتعامل مع حوالى 100 قضية أسبوعيًا، وهذا ينعكس سلبًا على سرعة إنجاز التقارير.

بالإضافة إلى صعوبة بيئة العمل فى مكاتب الخبراء مثل نقص الموارد والتجهيزات، ما يؤثر على كفاءة وسرعة إعداد التقارير، وكذلك تعدد المهام الموكلة للخبراء: حيث يُطلب منهم تقديم تقارير فى عدة مجالات مثل القضايا الضريبية، العمالية، التجارية، والمدنية، بالإضافة إلى جرائم الأموال العامة والاختلاس. وهذا التنوع والتعدد فى المهام يؤدى إلى زيادة العبء على الخبراء وتأخر إعداد التقارير.

وأضافت الدكتورة إلهام أن ا إجراءات القانونية المعقدة تعد أحد العوامل التى تؤثر فى عمل الخبراء حيث تتطلب بعض القضايا إجراءات قانونية معقدة، مثل ضرورة إخطار الخصوم بموعد محدد ومكان بدء المأمورية، ما يؤدى إلى تأخر الخبير فى القيام بمهامه وإعداد التقرير. وقد أشار مقال فى «الأكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم» إلى أن عدم إخطار الخصوم بموعد ومكان بدء المأمورية يُعَدُّ من الأسباب التى تؤدى إلى بطلان تقرير الخبير.

وأشارت إلى أن القانون القديم المنظم لعمل الخبراء رقم 96 لسنة 1952 يعد أحد المعوقات، حيث إنه قانون قديم وغير ملائم للتطورات الحالية، ما يؤدى إلى بطء إجراءات إبداء الرأى الفنى وتأخر إصدار التقارير، ما يعرقل سير العدالة، مشيرة إلى أن هذا القانون صدر فى فترة كانت تختلف فيها طبيعة العمل القضائى والاحتياجات الفنية للخبراء مقارنة بالوقت الحالى، ومع التطور السريع فى المجالات التكنولوجية والاقتصادية والقانونية، أصبح هذا القانون غير قادر على مواكبة التغيرات والتحديات الجديدة.

وأوضحت أن هذا القانون يحتوى على إجراءات معقدة وبطيئة فى تنظيم عمل الخبراء، مثل تعيينهم وإدارة أعمالهم، وهو ما يؤدى إلى تعطيل سير القضايا، كما أنه لا يوفر آليات سريعة وواضحة لحل النزاعات المتعلقة بتقارير الخبراء أو الاعتراضات عليها، بالإضافة إلى أنه لا يتضمن نصوصًا تعالج التطورات الجديدة فى القضايا الفنية المعقدة، مثل تلك المتعلقة بالتكنولوجيا الحديثة أو الجرائم الإلكترونية.

أكدت أن هذا النقص يجعل الخبراء مضطرين إلى التعامل مع القضايا باستخدام أدوات وإجراءات تقليدية، مما يزيد من تأخير إصدار تقاريرهم، كذلك فهذا القانون لا يحدد معايير واضحة لتحفيز الخبراء على سرعة وكفاءة إنجاز العمل، مثل وجود أنظمة مكافآت أو تسهيلات تساعدهم فى أداء مهامهم بشكل أسرع.

وأوضحت الدكتورة إلهام أنه تم إدخال تعديلات على المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بشأن تنظيم عمل الخبراء أمام جهات القضاء فى عام 2016، حيث صدر القانون رقم 91 لسنة 2016 لتعديل بعض أحكام هذا المرسوم. وفى يونيو 2022، وافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على مشروع قانون جديد لتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952. وتضمنت هذه التعديلات تعديل نص المادتين 51 و58 من المرسوم، حيث نصت المادة 51 المعدلة على أن يبدأ الخبير المنتدب فى الدعوى مباشرة فور تسلمه المأمورية أوراقها، مع إخطار الجهة القضائية باسم من أحيلت إليه المأمورية خلال 48 ساعة. أما المادة 58 المعدلة، فقد نصت على أن تؤول نسبة 50% من الأتعاب والمصروفات المحصلة كأتعاب ومصروفات خبراء وزارة العدل إلى الخزانة العامة للدولة، ويصدر بشأن توزيع النسبة المتبقية قرارا من وزير العدل، ومع ذلك فالأوضاع لم تتحسن كثيرًا.

وقدمت الدكتورة إلهام المهدى عدة اقتراحات لتحسين أحوال الخبراء أهمها: تحديث القانون والذى يجب إعادة صياغته ليعكس التطورات الحالية فى المجالات القانونية والفنية.

وإدخال التكنولوجيا لتسريع الإجراءات مثل أنظمة إدارة القضايا إلكترونيًا، وإصلاح البيروقراطية لتبسيط الإجراءات وتقليل الوقت المستغرق فى إتمام المهام المرتبطة بتقارير الخبراء.

والتقط أطراف الحديث الخبير القانونى ايمن محفوظ متسائلًا: هل خبراء وزارة العدل هم المتسببون فى تأخر الفصل فى القضايا؟ أم أن حجم العمل وتكدس القضايا بالمحاكم وظروف عمل الخبراء ورواتبهم هى السبب؟ وأضاف مجيبًا تلك العوامل تفوق قدرتهم على إنجاز المهام الموكلة لهم فى وقت مناسب يرضى عنه المتقاضون الذين يبحثون عن حقوقهم.

وأوضح محفوظ أن خبراء وزارة العدل كانت لهم مطالب مثل زيادة الرواتب والاستقلال بهيئة قضائية لها كيان قانونى خاص، وذلك لتحسين بيئة العمل لديهم حتى يتسنى لهم إنجاز عملهم بشكل أفضل، مشيرًا إلى أن القانون رقم 96 لسنة 1952 ينظم عمل الخبراء أمام الهيئات القضائية وبموجبه يعد الخبراء عاملين مدنيين بالدولة خاضعين لوزارة العدل، تابعين نظريًا للسلطة التنفيذية باعتبارهم موظفين بالدولة، وهذا القانون صدر منذ 70 سنة ومع التغيرات المجتمعية والتكنولوجيا كان لا بد من صدور قانون جديد ينظم طبيعة عمل الخبراء.

وأضاف محفوظ أنه لكى نطالب بالعدالة الناجزة لا بد من توفير أدوات حديثه وخلق بيئة صالحة لعمل الخبير وعمل دورات تدريبية حتى يتعلم الخبير كيف ينجز القضايا بأسرع وقت ممكن، وإرسال ملف القضية عن طريق الإنترنت وليس بالشكل المستندى الذى يتطلب وقتًا أكبر، وبذلك يمكن إرسال الأوراق الى الخبير الذى يفحصها على حاسوبه الشخصى، وأن يتم إعلان الخصوم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة مثل واتساب وغيرها، على أن يعد تأخير أحد الخصوم فى تقديم طلباته إخلالًا منه فى إثبات حقه، وبالتالى تنتهى كل الساعات والأيام التى تضيع فى أمور روتينية تعرقل عمل الخبير.