كامب ديفيد ثانية
مقترح أمنى يرسم ملامح جنوب دمشق

قدمت إسرائيل إلى سوريا مقترحا لاتفاقية أمنية جديدة يعيد إلى الأذهان تجربة كامب ديفيد عام 1979 مع مصر، والتى قسّمت سيناء إلى ثلاث مناطق وحددت ترتيبات أمنية متدرجة. الخطة الإسرائيلية، التى كشف عنها عبر موقع «أكسيوس» الأمريكى، تنص على إنشاء مناطق منزوعة السلاح تمتد من جنوب غرب دمشق وصولا إلى الحدود مع إسرائيل، لكنها ما زالت تنتظر ردا سوريا رسميا وسط إعداد دمشق لمقترح مضاد خلال الأسابيع الأخيرة.
وبحسب مصادر مطلعة، عقد وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلى رون ديرمر ووزير الخارجية السورى أسعد الشيبانى اجتماعا فى لندن بحضور المبعوث الأمريكى توم باراك، فى ثالث لقاء ثلاثى من نوعه. ورغم ما يقال عن تقدم ملحوظ فى المحادثات، فإن التوصل إلى اتفاق نهائى لا يبدو وشيكًا.
المقترح الإسرائيلى يستند إلى تقسيم جنوب غرب دمشق إلى ثلاث مناطق متدرجة، بحيث يُسمح للسوريين بالاحتفاظ بقوات وأسلحة خفيفة فى مناطق أبعد عن الحدود، فيما تُحظر القوات العسكرية والأسلحة الثقيلة فى الشريط الأقرب لإسرائيل، مع الإبقاء على قوات الشرطة والأمن الداخلى السورية. كما يدعو المقترح إلى توسيع المنطقة العازلة كيلومترين إضافيين داخل الأراضى السورية، وفرض منطقة حظر جوى كاملة أمام الطائرات السورية فى الجنوب.
مقابل هذه الترتيبات، تقترح تل أبيب الانسحاب التدريجى من الأراضى التى احتلتها خلال الأشهر الماضية، مع استثناء موقع متقدم على قمة جبل الشيخ الاستراتيجى. مسئول إسرائيلى أكد أن هذا الموقع لن يكون مطروحًا للانسحاب فى أى اتفاق مستقبلى، مشيرًا إلى أن المقترح يضمن أيضًا حرية ممر جوى يسمح لإسرائيل بتنفيذ ضربات محتملة على إيران عبر الأجواء السورية.
فى المقابل، كشفت وكالة «رويترز» أن دمشق تعمل تحت ضغط أمريكى على تسريع المفاوضات لتأمين اتفاق يفضى إلى استعادة الأراضى التى خسرتها مؤخرًا، مع الإبقاء على المنطقة العازلة المنصوص عليها فى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974. المقترح السورى يطالب بوقف الغارات الجوية والتوغلات الإسرائيلية، لكنه لا يتناول وضع هضبة الجولان المحتلة منذ 1967، وهى مسألة قال مصدر سورى إنها ستُترك للمستقبل.
منذ سقوط نظام بشار الأسد، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل سوريا، وأصبحت قواتها على بعد نحو 20 كيلومتراً من دمشق، مع توغلات متكررة فى القنيطرة ودرعا. ورغم محادثات لندن، أظهرت تل أبيب خلال الجلسات المغلقة ترددًا فى التخلى عن هذه المكاسب الميدانية.
وتزامنت هذه التطورات مع اجتماع ثلاثى فى دمشق بين سوريا والأردن والولايات المتحدة، أُعلن خلاله عن خريطة طريق لمعالجة أزمة السويداء بدعم أمريكى وتنسيق أردنى، فى خطوة فسرتها دمشق بأنها تؤكد السيادة السورية وتضع حدًا للتدخلات الخارجية. وزارة الخارجية السورية أوضحت أن التفاهمات الأمنية المطروحة تهدف إلى معالجة المخاوف المشروعة للطرفين السورى والإسرائيلى.
وشدد الرئيس السورى أحمد الشرع مؤخرا فى مقابلة تلفزيونية على أن بلاده تسعى لاتفاق يعيد إسرائيل إلى أوضاع ما قبل الثامن من ديسمبر، وهو اليوم الذى شهد تصعيدا ميدانيا كبيرًا.لكن الواقع الميدانى ظل متوتر. ففى الساعات الأولى من صباح امس، أعلنت قناة الإخبارية السورية أن القوات الإسرائيلية توغلت فى بلدتى جباتا الخشب وأوفانيا بريف القنيطرة الشمالى، حيث نفذت عمليات تفتيش وانتشار على أسطح المنازل بمرافقة طائرات مسيّرة. مما دفع دمشق الى إدانة ذلك بشدة ووصفتها بأنها انتهاك للقانون الدولى ولاتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974، مؤكدة أنها تعرقل أى جهود لإرساء الاستقرار فى الجنوب السورى.
وبينما يراقب العالم هذه التطورات، يتردد فى الكواليس أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يسعى للقاء الرئيس السورى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك نهاية سبتمبر، لكن مصادر إسرائيلية اعتبرت احتمالية عقد اللقاء ضعيفة. نتنياهو أعلن فى مؤتمر صحفى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دعاه لزيارة البيت الأبيض فى 29 سبتمبر، فى إشارة إلى أن الملف السورى قد يكون حاضرا على الطاولة بين الحليفين.