رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

قطوف

الدهب البنى

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"

في قرية صغيرة في إحدى محافظات مصر تدعى قرية "النهايا" جاءت حلا أو كما كانوا يطلقون عليها لصعوبة نطقهم لاسمها حلاوتهم. 
فتاه جميلة يتردد أن أمها ولدتها من سائح أجنبى تزوجها ثلاثة أشهر وهرب، أسمتها أمها حلاوتهم فقد كانت حلا شديدة الجمال كشجرة وارفة.
تجري حلا فى مسابقات الجري وتسابق البنات والأولاد وتفوز عليهم، تلعب معهم كرة القدم أيضا وتكون أفضل حارس مرمى مما يجعل المدرب فى مركز الشباب الفقير يناديها باسم الشناوى وهو حارس مرمى شهير وقتها. وتشارك في حفلات شوى المارشملو.
تمر السنوات وتكبر حلا، تذهب لتجمع الخضراوات لأمها بعد انتهاء المدرسة لتقوم بدورها بتنظيفها وبيعها لقلة العمل فى محافظة أسيوط حيث كانت أمها تعمل في تنظيف المراحيض داخل المحافظة. 
تطوع مدرس اللغة العربية بدفع مصاريف حلا في المدرسة على مدار أربعة أعوام حتى الصف الأول الإعدادي، صارت حلا خلالها أنثى يتهافت عليها شباب القرية وأمها سعيدة بذلك، لكن قلب حلا تعلق بسعد ابن جارتهم وصديقة أمها التي تساعدها في تنظيف الخضراوات.
وكانت وسيلة التواصل بين حلا وسعد هي الطرق على الحائط بين حجرة حلا وسعد، كان سعد يحضر لها الشيكولاتة والمارشيملو ويذهب بها إلى حديقة الفردوس في أسيوط.
وتعد حديقة الفردوس من أقدم وأشهر المتنزهات العامة في المدينة وسميت بحديقة الغلابة 
حديقة الفردوس تقع على ضفة النيل الغربية في حي شرق، وكانت تُعرف سابقًا بحديقة الحيوانات، حيث كانت تضم عددًا من الحيوانات والطيور، مما جعلها وجهة ترفيهية مميزة لسكان المدينة.
كانت حلا تأتينى تخبئ الشيكولاتة في ثلاجة منزلي، فأنا الوحيدة التي لديها تلاجة في القرية، فقد جئت أنا وزوجي لانتقال عمله كضابط شرطة سياحة، وتأتي حلا مرة كل أسبوع لمساعدتي في المنزل، تضحك كطفلة نقية: ممكن أخبي عندك ( الدهب البنى).
تلعب حلا مع أطفالي تندهش من ألعابهم (طنط هو فى حاجات حلوة في الدنيا كدة).
لم أستطع أن أخبرها أن الدنيا فيها كمان حاجات مرة وأنني تركت قلبي مذ كنت فى الجامعة حيث أصر والدي على ترك الجامعة عندما علم أننى أحب زميلي في الجامعة الذى تقدم عشرات المرات ورفضه أبي  بحجة ( البنت لابن عمها )، تزوجت من ( مشهد )، نعم هذا اسمه، فكان ( مشهد )  مشهدا طويلا فى مسلسل ممل يجمعه الواجب وليس الحب، فكان عزائي في أولادى وبقايا ذكريات لورق ( الدهب البنى )  ما تبقي من شيكولاتة منحني إياها نور.
لم أسأل حلا من أين لها بالدهب البني فقد كنت أعلم أن الأحبة فقط هم من يأتون به.... وليتني سألت.
وهكذا ظل حال حلا مع سعد، وتوالت الطرقات على الحائط حتى جاء يوم مرض فيه سعد ولم يطرق الباب أو لنقل تمارض سعد لتذهب إليه حلا وتعد له الطعام وأشياء أخرى بعد سفر أمه لأختها في الإسكندرية لتطلب يد ابنتها لسعد  حتى كان يوم بكت فيه حلا كأنها لم تخلق إلا للبكاء... 
قالت ( أنا حامل يا سعد)
لكن سعد رد ( نزليه ماليش دعوة  غلطتك ).
في اليوم التالي كان سعد في الإسكندرية يقدم شبكته لابنة خالته، جاءتني حلا على غير عادتها قالت صباح الخير بحزن ودخلت مسرعة نحو المطبخ لتعد لي القهوة وبجانبها الدهب البني لكنها جاءت بالقهوة فقط وعندما سألتها ضاحكة ( فين يا بنتي الدهب البنى ) انفجرت باكية فكعادة أهل الصعيد ( البنت اللى تفرط ملهاش إلا الموت )، ذهبت لوالدة سعد أرجوها أن تكمل الزيجة ولو على الورق، لكنها قالت بصرامة ( طلعى نفسك من الموضوع ). قررت أن أستر عليها، حدثت أمها بنيتى للسفر وهاخد حلا معايا لكن حلا سبقتنى وحكت لأمها والتى قررت ( ابعدى انت، شرفي أنا أولى بيه ).
في صباح اليوم التالى كانت اتفقت أم حلا مع زميل لها في المحافظة على قتل حلا وغسل عارها، الرجل فى الخمسين من عمره، طويل ضخم ربما يقتل حلا بأقدامه وأنا سأترك البلد وأرحل. 
عادت أم حلا  وأشاعت: حلا هتتجوز عند ابوها وبعت لها وهتسافر برة. قالت هذا للجيران وهى توزع الذهب المر.
حاولت أن ألحق بها لكنها باعت البيت وأرسلت لي المبلغ ورسالة بها عنوان أختها لو مت دول كفني.
أخذت سيارة زوجي في محاولة بائسة لأمنع الجريمة 
لكن حلا وأمها والرجل الغريب يسيرون في بحر من الصمت، الرجل الغريب يتحسس سكينته بينما عيناه تجوبان جسد حلا عارية إلا من العار.
ووسط غابة الصمت قطعه الرجل الغريب: تجوزينى حلا؟
فإذا بأم حلا تقبل أقدامه وتعود معه حيث بيته في الإسكندرية، الرجل كان لديه أربع زوجات طلق إحداهن وجاءت حلا بدلا منها. 
يبيع الرجل زوجاته لمن يدفع أكثر،  بعد أشهر قليلة جاء معتز، هكذا أطلقت عليه حلا، رفض الرجل أن يكتبه باسمه وبعد أشهر وافق على أن تعمل معه، كتب معتز باسمه وباعت حلا نفسها للدهب البنى، رأيتها  في واحدة من كافيهات الإسكندرية، لوهلة لم أعرفها فقد بدت كسيدة أنهكها الحزن بجانبها سيدة رقيقة الحال تتحرك ببطء شديد وسط تأفف من حلا، قالت بتهكم: فاكراها إنها أمى التي أرادت قتلى ليتها فعلت،  أنا مت يا طنط.
هكذا قالت حلا وهي تشرب سيجارة فقيرة.
جاء ابنى ليقلني إلى المنزل، بكت وقالت ربنا يرحم معتز قتله الرجل الغريب في حادث مدبر عندما عزمت على الرحيل.
عندما علمت حلا وضعت له السم في رقائق الشكولاتة وكانت تردد: كل ياسعد كل أيها الغريب.
تحركت وأنا بداخلى صورة حلا الطفلة البريئة وهي تخبئ الشيكولاتة قائلة دا الدهب البنى يا طنط، وقبل أن يتحرك ابنى لمحت سيارة الشرطة تأخذ حلا وأمها تجر أقدامها خلفها..
 تضم أمها برحمة ( طب بلاش ماما )
لكن الأم تسرع من خطواتها وكأنها عادت في ريعان شباب حزين:
أنا جاية معاك 
تمد حلا  لها يدها 
تاركة ورقة الشيكولاتة 
تسقط على الأرض.