رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

قطوف - نقد

مجانين أم كلثوم… حين تتحوّل الأسطورة إلى مرايا لعشّاقها

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"

هناك كتب تقرأها لتعرف، وأخرى تقرأها لتعرف وتشعر، وفي رواية "مجانين أم كلثوم" للدكتور شريف صالح نجد أنها تنتمي إلى الصنف الثاني؛ فهي ليست سيرة تقليدية لكوكب الشرق، بل هي مرآة كبرى، تتشظى فيها صور العاشقين والمهزومين، الباحثين عن عزاء في صوت المرأة التي غنّت للحب، وللحزن، وللقوة بل وللوطن في آنٍ.
الرواية الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، جاءت في نحو مئتين وسبعين صفحة، تنسج ثلاث حكايات متداخلة، تبدأ بخيط رفيع اسمه "اسأل روحك" الأغنية التي بدت في ظاهرها خطابًا عاطفيًا، لكنها تتحول في النص إلى مفتاح يفتح أبواب الأسئلة: من نحن أمام أصواتنا الداخلية؟ وما الذي يفعله الغناء بنا حين يتجاوز لحظة الطرب ليصبح قدرًا يرافقنا في لحظات الخيبة والانكسار؟
أبطال الرواية ليسوا شخصيات ورقية فقط، بل كأنهم امتداد لأولئك الذين ملأوا قاعة “الست” بهتافاتهم ودموعهم وتصفيقهم. جلال عبد الفتاح عاشور، ذلك الرجل المولع بفن أم كلثوم، يقف كرمز للعاشق الذي يصغي حتى الذوبان، في المقابل تطل شخصية وسام عبد البديع التي تغير اسمها لاحقًا إلى "سلمى"، لتجسد طموحًا مختلفًا، إرادة الخروج من الظل، وصراعًا بين الرغبة في تحقيق الذات والوقوع في فخّ أسطورة تبتلع كل شيء، وبين الاثنين، يظهر "حراس تراث أم كلثوم"، أولئك الذين يرفعون الراية كي لا يضيع الصوت في ضوضاء الحاضر.
اللافت أن الكاتب شريف صالح لم يكتفِ ببناء خط سردي تقليدي، بل لجأ إلى الهوامش الجانبية كجزء من اللعبة الفنية؛ فكل هامش يضيء تاريخًا، أو يضيف رواية أخرى، ليصبح النص نفسه ساحة حوار بين التوثيق والتخييل، هكذا يشعر القارئ أنه يعيش بين زمنين: زمن الست الذي لم يغب، وزمن الراوي الذي يعيد اكتشافه بروح عاشق مهووس.
إنها رواية عن الجمهور بقدر ما هي عن الفنانة، فلو لم يكن هناك جمهور ينهض مع كل جملة، ويصرخ "الله"، لتعيد الأغنية مرارًا، لما أصبحت أم كلثوم أسطورة، شريف صالح يكتب عن هؤلاء "المجانين" الذين جعلوا من الطرب دينًا، ومن السهر عبادة، ومن الصوت ملاذًا أخيرًا.
ومع ذلك نجد أن الرواية ليست حنينًا فقط، بل هي أيضًا عدة أسئلة: ماذا يبقى من الأسطورة حين ينفضّ السامر؟ وكيف يتجدد حضورها في عالم اليوم المزدحم بالضجيج؟ بين الذاكرة والخيال، بين التوثيق والتأويل، كذلك تفتح الرواية مساحات للتأمل: هل كانت أم كلثوم مطربة فقط، أم أنها تحوّلت إلى رمز لزمن كامل، ومعه لأحلام أمة بأكملها؟
"مجانين أم كلثوم"  ليست كتابًا للباحث الموسيقي وحده، ولا رواية للتاريخ وحده، بل نصٌّ يخص كل عاشق جرب أن يغني سرًا مع نفسه في ليل طويل، أو بكى وهو يستمع إلى "فات الميعاد" إنها شهادة أدبية على أن الصوت لا يموت، وأن الجنون حين يتصل بالفن يصبح أرقى أشكال الحكمة.