الباراسيتامول.. تحذيرات متزايدة من المخاطر الخفية لأشهر مسكن في العالم
يُعد الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين كما يُعرف في الولايات المتحدة أحد أكثر الأدوية استخدامًا في العالم، إذ يتناوله الملايين بشكل يومي لتخفيف الصداع، آلام الظهر، الحمى، وغيرها من الأوجاع البسيطة.
وفي بريطانيا وحدها، يُستهلك ما يقارب 70 قرصًا للفرد سنويًا، وتُصرف أكثر من 15 مليون وصفة طبية له سنويًا عبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية، بتكلفة تجاوزت 80 مليون جنيه إسترليني في عام واحد فقط.
لكن وراء هذه الثقة الشعبية، تتزايد الأدلة العلمية التي تطرح تساؤلات جدية حول أمان الباراسيتامول، خاصة عند استخدامه بانتظام أو لفترات طويلة.
آثار جانبية قد تكون قاتلة
تشير أبحاث متعمقة إلى أن الاستخدام المزمن للباراسيتامول قد يكون مرتبطًا بمخاطر صحية بالغة، تشمل فشل الكبد، نزيف المعدة، ارتفاع ضغط الدم، وفشل الكلى. الأخطر من ذلك، أن هذه المضاعفات لا تقتصر على حالات الجرعة الزائدة فحسب، بل يمكن أن تحدث لدى من يلتزمون بالجرعة "الآمنة" الموصى بها – 4 جرام يوميًا.
البروفيسور أندرو مور، من مجموعة كوكرين، يقول إن "الرأي التقليدي القائل بأمان الباراسيتامول لم يعد مدعومًا بالأدلة. تشير دراساتنا إلى صلة مباشرة بين استخدامه وزيادة في معدلات الوفاة ومشاكل القلب والمعدة".
الكبد تحت الضغط – حتى من جرعات عادية
الميكانيكية البيولوجية وراء هذه المخاطر تعود إلى مادة سامة تُنتج عند تحلل الباراسيتامول في الكبد تُعرف بـ NAPQI، والتي تُحيد عادة بواسطة الجلوتاثيون، لكن عند تكرار الاستخدام أو تجاوز الجرعات الموصى بها، حتى بشكل طفيف، قد يفقد الكبد قدرته على حماية نفسه، مما يؤدي إلى تلف دائم.
وقد كشفت تقارير طبية أن الجرعات المفرطة المزمنة، حتى دون أن يلاحظ المريض ذلك، هي سبب رئيسي لحالات فشل الكبد الحاد في مستشفيات بريطانيا.
فعالية مشكوك فيها لعلاج الألم المزمن
رغم شعبيته، تُظهر تحليلات علمية أن الباراسيتامول ليس فعالًا كما يُعتقد. فبحسب البروفيسور مور، "واحد فقط من بين كل أربعة أشخاص قد يشعر بتحسن في ألم ما بعد الجراحة عند استخدامه، بينما لا يفيد إلا واحدًا من عشرة في حالات الصداع".
كما أن التوصيات الطبية الحديثة، ومنها إرشادات الهيئة الوطنية للرعاية الصحية (NICE)، لم تعد تنصح باستخدامه لعلاج آلام الظهر أو هشاشة العظام، نظرًا لعدم وجود أدلة كافية على فعاليته.
ضغط الدم و"الخطر الصامت"
خلافًا لما يُعتقد عن كونه بديلاً آمنًا لمضادات الالتهاب، تُظهر دراسات أن الباراسيتامول قد يؤدي لرفع ضغط الدم، خاصة لدى النساء أو من لديهم تاريخ مرضي مع ارتفاع الضغط.
وأثبتت دراسة في جامعة إدنبرة أن تناول الجرعة القياسية لأسبوعين رفع ضغط الدم لدى مرضى الضغط المرتفع.
ويشير الأطباء إلى ضرورة استخدام الباراسيتامول بأقل جرعة فعالة، ولأقصر فترة ممكنة، خصوصًا لدى من يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية.
طنين الأذن والتأثيرات العصبية
وربطت دراسات أمريكية بين الاستخدام اليومي للباراسيتامول وزيادة خطر الإصابة بطنين الأذن بنسبة تصل إلى 18%. وعلى الرغم من أن العلاقة لم تُثبت بشكل قاطع، فإنها تضيف إلى قائمة القلق المتزايد بشأن آثاره الجانبية العصبية.
الأكثر إثارة للجدل، هو ما أثارته دراسات رصدية حديثة من احتمالية وجود علاقة بين تناول الحوامل للباراسيتامول وزيادة خطر إصابة أطفالهن بالتوحد أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. ورغم عدم وجود دليل مباشر على السببية، إلا أن هذه النتائج دفعت خبراء الصحة إلى الدعوة لمزيد من الحذر والبحث.
تحذيرات خاصة لكبار السن
دراسة طويلة الأمد شملت نصف مليون شخص فوق سن 65 عامًا، وجدت أن تناول الباراسيتامول بشكل منتظم كان مرتبطًا بارتفاع كبير في معدلات قرحة المعدة، أمراض الكلى، وقصور القلب.
وقال البروفيسور وييا تشانج: "على من تجاوز سن 65 أن يكون أكثر حرصًا، فالمخاطر تتضاعف مع تقدم العمر".