جوجل توسع وضع الذكاء الاصطناعي ليشمل لغات جديدة وتثير جدلاً حول مستقبل البحث

خطوة جديدة اتخذتها جوجل تعكس طموحها في جعل البحث بالذكاء الاصطناعي تجربة عالمية بحق. فقد أعلنت الشركة عن إتاحة "وضع الذكاء الاصطناعي" (AI Mode) بلغات إضافية، تشمل الهندية والإندونيسية واليابانية والكورية والبرتغالية البرازيلية، لتكون هذه أول مرة يتجاوز فيها الروبوت اللغوي حدود الإنجليزية.
يُعد هذا التطور نقطة تحول لواحدة من أكثر تقنيات البحث إثارة للجدل، إذ تسعى جوجل إلى دمج الذكاء الاصطناعي في تجربة البحث اليومية لمليارات المستخدمين. الخدمة التي بدأت كتجربة تجريبية في مارس الماضي، توسعت بسرعة خلال أشهر قليلة، لتصبح متاحة في الولايات المتحدة أولًا ثم المملكة المتحدة والهند، وصولًا إلى أكثر من 180 دولة بحلول أغسطس الماضي.
ما الجديد في تجربة البحث؟
لم تكتف جوجل بإضافة اللغات الجديدة، بل عززت "وضع الذكاء الاصطناعي" بعدة ميزات في يوليو، أبرزها دعم نموذج Gemini 2.5 Pro وميزة "البحث العميق" التي تمنح المستخدمين إجابات أكثر تفصيلًا وسياقية. وبحسب جوجل، فإن إضافة اللغات تعكس رغبة الشركة في تقديم تجربة بحث أكثر قربًا للثقافات المحلية، وهو ما أوضحته هيما بوداراجو، نائبة رئيس إدارة منتجات البحث، قائلة: "بناء بحث عالمي يتجاوز مجرد الترجمة، فهو يتطلب فهمًا عميقًا للمعلومات المحلية وتقديمها بما يتناسب مع السياق الثقافي لكل مجتمع".
بين طموح جوجل ومخاوف الناشرين
لكن بينما تبني جوجل صورة براقة عن مستقبل البحث بالذكاء الاصطناعي، يبقى هناك جدل متصاعد حول تأثير هذه التجربة على شبكة الإنترنت المفتوحة. فالشركة شددت مرارًا على أن حركة المرور إلى المواقع الإلكترونية ما زالت "مستقرة نسبيًا" منذ إطلاق AI Overviews، بل وأكدت أن "الويب يزدهر". غير أن وثائق قانونية قدمتها مؤخرًا للمحكمة أظهرت اعترافًا مختلفًا؛ إذ أقر محامو الشركة بأن "الويب المفتوح يشهد تراجعًا سريعًا".
هذا التناقض أثار مخاوف الناشرين وصناع المحتوى، الذين يعتمدون بشكل أساسي على حركة المرور القادمة من بحث جوجل. ومع توسع "وضع الذكاء الاصطناعي"، يخشى كثيرون أن تقل فرص ظهور مواقعهم في نتائج البحث التقليدية، خاصة إذا حصل المستخدم على الإجابة مباشرة من روبوت الدردشة دون الحاجة إلى زيارة الروابط.
خطوة استراتيجية في سباق الذكاء الاصطناعي
يرى محللون أن توسع "وضع الذكاء الاصطناعي" باللغات الجديدة ليس مجرد تحديث تقني، بل خطوة استراتيجية في السباق العالمي مع منافسين مثل مايكروسوفت وبايدو. فإدماج نماذج لغوية متعددة يدعم موقع جوجل كلاعب مهيمن في البحث، ويعزز من قدرته على الوصول إلى أسواق ضخمة مثل الهند والبرازيل، حيث تُعد اللغة عائقًا أساسيًا أمام الانتشار.
في المقابل، يشير خبراء التقنية إلى أن هذه الخطوة قد تعيد تعريف طريقة استخدام الناس لمحركات البحث. إذ يتحول البحث من إدخال الكلمات المفتاحية والضغط على الروابط، إلى حوار مباشر مع الذكاء الاصطناعي الذي يقدم إجابات سريعة وشبه مكتملة. هذا التغيير الجذري قد يخلق معايير جديدة للثقة في المعلومات، ويطرح تحديات حول الشفافية ومصادر البيانات.
بينما تتحرك جوجل بسرعة لتوسيع نطاق "وضع الذكاء الاصطناعي"، يظل السؤال الأساسي: هل سيستفيد الناشرون والمبدعون من هذه التقنية أم سيدفعون ثمنها؟ الواقع أن المستخدمين هم الحكم الأخير. فإذا وجدوا في التجربة الجديدة راحة وسرعة أكبر، فقد يصبح "الذكاء الاصطناعي" هو البوابة الرئيسية للمعرفة على الإنترنت، وهو ما قد يعيد رسم ملامح المشهد الرقمي خلال السنوات المقبلة.
بهذا الإعلان، لا تُضيف جوجل مجرد لغات جديدة، بل تفتح فصلًا جديدًا في صراع توازن القوى بين عمالقة التكنولوجيا وصناع المحتوى، وبين البحث التقليدي والبحث القائم على الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت الذي تتسع فيه رقعة التجربة عالميًا، يبقى مستقبل "الويب المفتوح" مرهونًا بمدى قدرة جوجل على التوفيق بين طموحاتها التكنولوجية وحقوق الناشرين.