رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

رحلة شهرية للفضاء تكشف تسارع الشيخوخة في الخلايا الجذعية البشرية

بوابة الوفد الإلكترونية

لا تزال أسرار تأثير الفضاء على جسم الإنسان تُثير فضول العلماء، خاصة مع اقتراب البشرية من خطط الطيران طويل الأمد إلى القمر والمريخ. وبينما أظهرت الدراسات السابقة دلائل على تغيرات فسيولوجية ونفسية تصيب رواد الفضاء، جاءت أحدث أبحاث جامعة كاليفورنيا في سان دييغو لتضيف بُعدًا جديدًا مقلقًا: تسارع الشيخوخة على المستوى الخلوي.

الدراسة التي نُشرت مؤخرًا كشفت أن الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم والخلايا السلفية (HSPCs) – وهي المسؤولة عن إنتاج خلايا الدم والمناعة – شهدت علامات واضحة للشيخوخة المبكرة بعد قضاء نحو شهر في محطة الفضاء الدولية. فقد أرسل الباحثون عينات من هذه الخلايا إلى المدار باستخدام مفاعلات حيوية نانوية صُممت خصيصًا لمراقبة وظائفها في ظروف انعدام الجاذبية والتعرض للإشعاع الكوني، فيما بقيت مجموعة أخرى من الخلايا على الأرض في مركز كينيدي الفضائي لمقارنتها.

النتائج كانت لافتة. أظهرت الخلايا التي مكثت بين 32 و45 يومًا في الفضاء انخفاضًا في قدرتها على التجدد الذاتي، وزيادة في تعرضها لتلف الحمض النووي، فضلًا عن مؤشرات على التهاب في الميتوكوندريا، وهي "محطة الطاقة" داخل الخلية. هذه التغيرات تُشبه في طبيعتها ما يحدث خلال الشيخوخة الطبيعية، لكنّ الفارق أنها ظهرت في وقت أسرع بكثير من المعتاد.

مع ذلك، لاحظ الفريق البحثي أن هذه التغيرات لم تكن دائمة بالكامل. فعند عودة العينات إلى بيئة الأرض، بدأت بعض الخلايا تستعيد جزءًا من وظائفها الطبيعية، ما يشير إلى إمكانية عكس بعض الأضرار إذا توفرت ظروف مناسبة. هذه الملاحظة تمنح بصيص أمل في تطوير استراتيجيات وقائية لحماية رواد الفضاء في المهمات الطويلة.

الدكتورة كاترينا جاميسون، مديرة معهد سانفورد للخلايا الجذعية في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو، علّقت على النتائج قائلة: "الفضاء هو اختبار الإجهاد الأعظم لجسم الإنسان. إن ما اكتشفناه يوضح أن بيئة الفضاء – بما تحمله من انعدام الجاذبية والإشعاع الكوني – يمكن أن تُسرّع الشيخوخة الجزيئية لخلايا الدم الجذعية. هذه المعرفة لا تقتصر على ضمان سلامة رواد الفضاء، بل تفتح أمامنا أيضًا أبوابًا جديدة لفهم أمراض الشيخوخة والسرطان على الأرض".

هذه النتائج تأتي في وقت تتسابق فيه وكالات الفضاء العالمية، وعلى رأسها وكالة ناسا، لتنفيذ خطط إرسال البشر في رحلات طويلة إلى المريخ قد تستمر لسنوات. ومع زيادة المدد الزمنية في الفضاء، تتضاعف المخاطر الصحية التي قد تهدد حياة الرواد أو تؤثر على قدرتهم في إتمام المهام. لذا فإن الدراسات مثل هذه تُعد حجر زاوية لتطوير تقنيات علاجية أو وقائية مثل دروع إشعاعية متقدمة، أو علاجات خلوية تعكس آثار الشيخوخة المبكرة.

الأمر اللافت أيضًا أن هذه النتائج لا تقتصر أهميتها على قطاع الفضاء فقط. إذ يرى علماء الشيخوخة أن دراسة التغيرات الخلوية المتسارعة في بيئة الفضاء قد تساعد في محاكاة عمليات الشيخوخة الطبيعية على الأرض، ما يُتيح فرصًا لفهم أعمق لأمراض مثل السرطان والزهايمر والاضطرابات المناعية. وبذلك يتحول الفضاء من كونه مجرد مختبر للتجارب العلمية في المدار إلى نافذة تُطل على أسرار الجسم البشري وعملية التقدم في العمر.

وبينما يواصل العلماء تحليل البيانات وجمع المزيد من الأدلة، يبدو أن الخلايا الجذعية أصبحت أداة رئيسية لفهم كيف يمكن لجسم الإنسان أن يتكيف – أو يفشل في التكيف – مع أقسى الظروف. ومع كل اكتشاف جديد، يتضح أن رحلة البشرية نحو المريخ لن تكون مجرد تحدٍّ تقني في بناء الصواريخ، بل تحدٍّ بيولوجي في كيفية حماية الإنسان نفسه من تسارع الزمن على المستوى الخلوي.