رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

مع اقتراب العام الدراسى الجديد، لم يعد المشهد فى مصر محصورًا فى طقوس شراء الحقائب والأدوات المدرسية. هذه المرة، هناك نكهة مختلفة، نكهة المستقبل. فالمجتمع المصرى يقف أمام لحظة فارقة، مع قرارات وُصفت بأنها ثورية وهادئة فى آن واحد، تعيد تعريف هوية التعليم، وتضع المدرسة فى قلب مشروع وطنى شامل يوازن بين بناء العقل وغرس القيم، ويعترف أخيرًا بأن المعلم هو مفتاح كل إصلاح.

وداعًا لعقدة الامتحان.. ومرحبًا بالتعلم المستمر

من أبرز ملامح التغيير هذا العام كسر هيمنة الامتحان النهائى. فقد تقرر أن يُقيّم الطالب فى المرحلة الإعدادية على مدار العام من خلال أعمال السنة وامتحانى الفصلين الدراسيين. هذه الخطوة تضع حدًا لثقافة «الفرصة الواحدة» التى كانت تقضى على أحلام آلاف الطلاب.

تؤكد تقارير منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) أن التقييم التكوينى المستمر يعزز دافعية الطالب، ويمنحه فرصة لتصحيح أخطائه وتطوير مهاراته تدريجيًا، بدلًا من حصر مصيره فى امتحان واحد (OECD, 2018).

الابتدائية.. حيث تبدأ الحكاية

فى الصفين الأول والثانى الابتدائى، أُقر نظام التقويم الوصفى بدلًا من الامتحانات التقليدية. الهدف هو التركيز على المهارات الأساسية: القراءة، الفهم، والتعبير، لا على الحفظ والاستظهار.

اليونسكو توصى بأن السنوات الأولى من التعليم ينبغى أن تركز على بناء الكفاءات الأساسية، لأنها أساس تكوين «المتعلم مدى الحياة» (UNESCO, 2017).

القيم أولًا: عودة الروح للمدرسة

فى خطوة لافتة، أعادت وزارة التربية والتعليم الاعتبار لمادة التربية الدينية باعتبارها مادة أساسية يُشترط النجاح فيها، مع دعمها بأنشطة ومسابقات. إنها رسالة واضحة: المدرسة ليست مصنعًا للدرجات فقط، بل بيت للضمير.

تقرير «التعلم لنكون» لليونسكو يوضح أن التربية القيمية ليست ترفًا، بل مكوّنًا أصيلًا من مكونات التنمية المستدامة للمجتمع (UNESCO, 2015).

تحسن أوضاع المعلمين: العمود الفقرى للإصلاح

لا يمكن لأى إصلاح تعليمى أن ينجح دون تحسين وضع المعلم. ومن هنا جاء القرار بإقرار حافز جديد بقيمة 1000 جنيه شهريًا لمعلمى المراحل التعليمية المختلفة. هذه الخطوة تُعدّ بداية لإعادة الاعتبار للمعلم ماديًا ومعنويًا، وتشجعه على الابتكار بدلًا من الانشغال بالضغوط الاقتصادية.

وفقًا لبيانات وزارة التربية والتعليم (2025)، فإن هذا الحافز سيستفيد منه أكثر من مليون معلم على مستوى الجمهورية، وهو ما يُمثل نقلة نوعية فى دعم الكوادر البشرية التى تحمل على عاتقها مشروع التطوير.

الأسرة والمعلم.. الشراكة التى لا غنى عنها

نجاح هذه الثورة التعليمية الهادئة يحتاج إلى تغيير فى العقليات. على الأسرة أن تدرك أن دورها لم يعد متابعة الدرجات فقط، بل دعم أبنائها نفسيًا وتشجيعهم على التعلم كرحلة ممتعة. وعلى المعلم أن يتجاوز التلقين ليصبح شريكًا فى بناء شخصية الطالب، بالاعتماد على النقاش والتجارب العملية.

نحو ثورة تعليمية هادئة

ما يحدث اليوم ليس مجرد «تعديلات إدارية» فى جداول الامتحانات أو المناهج. إنه مشروع متكامل لإعادة تعريف المدرسة المصرية. مدرسة المستقبل يجب أن تكون:

ورشة للتفكير والإبداع، لا قاعة للحفظ.

مصنعًا للقيم، لا مجرد خط إنتاج للمعلومات.

فضاءً يحترم المعلم ماديًا ومعنويًا، لأنه القائد الحقيقى لهذه الثورة.

إنها ثورة هادئة، لا تصرخ بالشعارات، بل تعمل بصمت على إعادة المدرسة المصرية إلى مكانتها: منارة للعلم، وحصنًا للقيم، وبوابةً نحو المستقبل.