الناصية
المجتمعات الهشة هى التى تهتز من أقل تغيير، وتشعر بالرعب من أى تحديث، وتجننّها أصغر حركة كانت أسرع قليلا من البطء الذى اعتادت عليه.. وعادة يكون السبب فى ذلك مرور أفراد هذه المجتمعات بسنوات من الذل والمهانة نتيجة للفقر والاستبداد الذى يجعلهم يموتون فى جلدهم من أى جديد!
بينما المجتمعات القوية والواثقة من نفسها تتقبل كل تطوير وتحديث وتتعامل مع كل خطوة إلى الأمام بتفاؤل وأمل لأنه يقربها للمستقبل ويبعدها عن الماضى ليس بسبب تخلفه ولا لأنه أصبح موضة قديمة، ولكن لأنه ببساطة صار من الماضى وكل شىء عادة يأخذنا إلى المستقبل يكون أفضل لأن حياتنا ستكون أفضل مما كانت عليه!
ويدور «الهرى» هذه الأيام على منصات التواصل الاجتماعى حول بيع منطقة وسط البلد فى القاهرة لمستثمرين عرب لتطويرها وتحويلها إلى منطقة جاذبة للسياحة مثل ميدان تايمز سكوير فى مانهاتن بنيويورك، أو منطقة برج إيفل فى باريس أو «داون تاون دبى».. وما شابه ذلك فى روما والهند والصين..!
ولا أعرف حقيقة مسألة البيع أو غير البيع، حيث لا أعرف مدى صحة هذه الادعاءات أو عدمها، ولكن أناقش هنا حالة الرعب والمخاوف غير المبررة التى تنتاب البعض، وتحديدًا اليساريين والناصريين والإخوان معًا الذين يعملون على تهييج الرأى العام ضد أى محاولة تطوير أو تحديث ويبدأون الصراخ والنواح والعويل بأن الحكومة بتبيع مصر بالمتر.. ويتخذون أية خطوة متقدمة ذريعة للإنقاض على الحكومة وعلى نظام الحكم!
ولا أدافع عن سياسات الحكومة ولا عن نظام الحكم، ولكن أتحدث عن عدم تقبلنا بصفة عامة أى تغيير أو تطوير بفكر واع وبعقل مفتوح سواء فى وضع تمثال فى ميدان، أو فى تركيب مفاعل نووي!
وأعتقد أن حالة الرفض لأى شىء وكل شىء سواء بحق أو بدون وجه حق تعود إلى حقبتين.. الأولى حقبة الاستعمار الفرنسى والإنجليزى التى أدت فى النهاية إلى احتلال بريطانيا لمصر لمدة 70 عامًا، ثم عندما قامت ثورة يوليو 1952 حيث تم فرض الحراسات والاستيلاء على الممتلكات وتأميم الشركات وإغلاق البلد على من فيها وتزايد الكراهية ضد الرجعية والاستعمار وربط الاثنين بالغرب وترسخ الاعتقاد أن كل ما يأتى من الغرب لا يسر القلب!
لأن الكثير من الاعتراضات على التطوير والتحديث يأتى من قطاع كبير يدعى التقدم والتقدمية ومع ذلك يكون هذا القطاع أول المعترضين ويتحولون بقدرة قادر مثلهم مثل المتطرفين دينيا والارهابيين الذين يريدوننا نرجع إلى 1500 سنة فى الأكل، والشرب، واللبس والتفكير.. وهؤلاء أناس ما زالت معششة فى عقولهم أحلام الماضى الضائعة وكوابيس الحاضر المرعبة!
وبالنسبة «للهرى» حول وسط البلد، كان قد انتشر من قبل نفس «الهرى» عند تطوير منطقة الأهرامات.. واتهموا الدولة وقتها بأنها تريد أن تبيع الأهرامات لدولة قطر ثم لدولة الإمارات.. ثم لشركة اوراسكوم وآل ساويرس.. ثم اكتشفنا بعد ذلك أنه لا يوجد بيع ولا يحزنون وأنه مجرد تطوير وإدارة متطورة للمنطقة وهو الذى حدث بالفعل.. بينما دعاة التقدم وأعضاء جمعية الحفاظ على الماضى كان على قلبهم مثل العسل أن تبقى الأهرامات تحت سيطرة النصابين، والمتحرشين وأصحاب الخيول والجمال.. وللحديث بقية!