رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

قضية ورأى

إذا تعارض النص القرآنى مع العلم، فلا يعنى ذلك أن العلم كاذب أو أن النص خرافة.. بل يعنى أن فهمنا نحن فيه قصور، ربما قصور فى فهم النص، وربما أيضا قصور فى دقة النظرية لأن العلم ليس إلا شكًلا منهجيًا منظمًا.
الفارق بين علماء الطبيعة وبعض رجال الدين، أن علماء الطبيعة منظمون، ورسالتهم للإنسانية كلها لا تفرق بين أحد.. فعندما ندخل إلى الطبيب لا يسألنا عن ديننا، وإنما عن أعراض المرض بحثا عن الدواء.
أما بعض رجال الدين فى عصرنا، فقلصوا رسالتهم من رحاب الإنسانية إلى شعاب ضيقة من الحفظ والتلقين والجمود.
والعلم بطبيعته قابل للتساؤل والتشكيك؛ فالشك والاختبار المستمر هما جوهر العملية العلمية للوصول إلى أدلة أدق وأقرب من الإثبات.. عدا المسلمات التى أصبحت حقيقة لا تقبل التشكيك.
وليل الأحد الماضى، كان بإمكان 7 مليارات شخص مشاهدة الخسوف الكلى للقمر، إذ كان مرئيًا بالعين المجردة فى العديد من الدول العربية، ومعظم مناطق آسيا، وأستراليا، والأجزاء الوسطى والشرقية من أوروبا وأفريقيا.
كان بإمكان 7 مليارات شخص، أن يشاهدوا انعكاس ظل الأرض فى شكل كرة تغطى القمر، وبعدها كرة تكشف القمر.
لكن من بين المليارات السبع من لا يزال يعتبر الأرض مسطحة، وأن كروية الأرض هى مؤامرة على الإسلام والمسلمين.
صفحات على «السوشيال ميديا»، ومقاطع فيديو ومتابعين كثر، يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام، لدرجة اعتقدت فيها أنهم أنفسهم مؤامرة على الإسلام.
وقرأت عشرات التعليقات والآراء التى تكشف أن بيننا من يصدق أن الأرض مسطحة، بينما يوجد حاليا 12 ألف قمر صناعى تدور حول الأرض.
بعضنا يصدق فى وجود مؤامرة، بينما الصين نجحت مركبتها «تشانغ آه-6»، فى الهبوط على الجانب الآخر من القمر العام الماضى، وقد تم رصدها من قبل بلدان مختلفة منها أمريكا والهند وروسيا عبر شبكات التتبع الفضائى والتعاون العلمى الدولى.
السبب أن بعضنا يفسر الآية الكريمة «أفلا ينظرون إلى الأرض كيف سُطحت» من سورة الغاشية، بمفهومه هو أن كوكب الأرض مسطح، والحقيقة أنها مسطحة لمن ينظر إليها بعينيه، بينما تجاهل الآية الكريمة «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل» من سورة الزمر.. فكيف يتم تكوير الليل والنهار إذا لم تكن الأرض نفسها كروية؟.
وهكذا يتعاملون مع بعض النصوص باعتبارها حقائق فيزيائية وليست مجازات لغوية، ويروجون أن الأرض محاطة بجدار جليدى يمنع البشر من «السقوط من الحافة»، ويعتقدون أن الحكومات الكبرى تشارك فى مؤامرة عالمية.
هذه الظاهرة تطرح سؤالًا عميقا: هل نقبل الحقيقة العلمية لمجرد وجود الأدلة؟ أم أننا نطوعها مع الثقافة والنصوص الدينية حسب فهمنا نحن؟
وفهمنا واستيعابنا للنص القرآنى قد يكون صحيحا، وقد لا يكون.
فى العصور الوسطى بأوروبا ومع بروز الكنيسة كمرجعية فكرية، ساد تصور الأرض الكروية، ولم يكن الاعتقاد فى الأرض المسطحة، إذ إنه منذ عهد فلاسفة اليونان، مثل فيثاغورس وأرسطو، كان مفهوم الأرض الكروية موجودًا ومقبولًا لدى المفكرين والعلماء.
وفى الحضارة الإسلامية، أكد علماء مثل البيرونى وابن حزم وابن رشد كروية الأرض، بل إن البيرونى وضع تقديرًا قريبًا من الحقيقة لنصف قطرها.
لكن لا أعرف لماذا نعود إلى الوراء؟
فأصحاب نظرية الأرض المسطحة من العرب، ليسوا مجرد أفراد يرفضون حقيقة علمية بسيطة، بل هم تجسيد لظاهرة اجتماعية وثقافية أعقد وهى ظاهرة الإيمان بنظريات المؤامرة المستمرة.
وبينما نرفض ما نعتقد أنه مؤامرة، إذ بنا نرفض العلم، ونتآمر على أنفسنا.. فالمعرفة لا تنتشر بالدليل وحده، بل تحتاج أيضًا إلى ثقة اجتماعية وثقافة علمية راسخة.
.. ويبدو أن أمامنا وقتا طويلا للوصول إليها.
فالعقول قد تكون أيضا مسطحة.