مؤتمر الأمن السيبراني في القاهرة يرسم ملامح التعاون العربي لمواجهة الجرائم الإلكترونية
شهدت القاهرة على مدار يومي 7 و8 سبتمبر الجاري فعاليات النسخة التاسعة من المؤتمر العربي لأمن المعلومات، برعاية الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وجمع المؤتمر نخبة من الخبراء والمسؤولين وصناع القرار من مختلف الدول العربية والدولية، إلى جانب مشاركة واسعة من الشباب المتخصص في تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، ما جعله واحدًا من أبرز الفعاليات الإقليمية في هذا المجال.
المؤتمر الذي أصبح محطة سنوية ثابتة، جاء هذا العام ليسلط الضوء على التطورات المتسارعة في عالم الفضاء السيبراني والتحديات التي تواجه المؤسسات والحكومات في ظل تصاعد وتيرة الجرائم الإلكترونية العابرة للحدود، الحضور الكثيف من الخبراء الدوليين والإقليميين عكس الاهتمام المتزايد بتعزيز التعاون وتبادل الخبرات لبناء جبهة مشتركة قادرة على مواجهة المخاطر المتنامية.
الدكتور بهاء محمد حسن، مؤسس ورئيس المؤتمر العربي لأمن المعلومات، أكد في كلمته أن ما يميز هذا الحدث ليس فقط موضوعاته الغنية والمتنوعة، وإنما كونه يمثل منصة عربية للتعاون مع الخبراء العالميين، وهو ما يمنح الدول العربية فرصة لصياغة رؤية موحدة تعزز الأمن الرقمي وتدعم جهود التنمية.
وأشار إلى أن الجرائم الإلكترونية لم تعد محصورة في نطاق جغرافي معين، بل أصبحت عابرة للقارات، وهو ما يستلزم شراكات أوسع وتنسيقًا أكبر بين الحكومات والمؤسسات، وأضاف أن هذه الفعالية على مدار تسع سنوات حققت إنجازات ملموسة في بناء الكفاءات الوطنية بمجال الأمن السيبراني، وأسهمت في رفع مستوى الوعي وتعزيز القدرات العربية في مواجهة التهديدات الرقمية.
وخلال فعاليات اليوم الثاني، تطرق الدكتور بهاء إلى أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات، مشددًا على أن الاعتقاد السائد لدى بعض المسؤولين بأن فرق تكنولوجيا المعلومات التقليدية كافية لحماية المعلومات يعد خطأً جوهريًا، وأوضح أن الأمن السيبراني يحتاج إلى فرق متخصصة تملك مهارات تحليلية واستباقية، قادرة على التعامل مع الهجمات المعقدة والمتطورة التي تتجاوز إمكانيات الفرق التقليدية.
هذا التحذير يعكس حقيقة باتت واضحة في السنوات الأخيرة، وهي أن المؤسسات لم تعد تواجه مخاطر عادية، بل أصبحت مستهدفة بهجمات احترافية قد تهدد أعمالها وسمعتها بشكل مباشر، الأمر الذي يستدعي تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير وبناء فرق عمل مدربة ومتخصصة.
وفي إطار الحديث عن تنمية القدرات البشرية، أوضح الدكتور بهاء أن شركة ISEC، الراعي الرئيس للمؤتمر، أطلقت برامج تدريبية متخصصة تمتد لشهرين وتستهدف الشباب المبدع في مجال الأمن السيبراني. وبيّن أن الشباب المتميزين الذين يجتازون هذه البرامج ينضمون مباشرة إلى فرق عمل الشركة برواتب مجزية، في خطوة تهدف إلى بناء جيل جديد من خبراء الأمن الرقمي وضمان استدامة الكفاءات القادرة على حماية البنية التحتية الرقمية للدول والمؤسسات.
هذه المبادرة تعكس إدراكًا متزايدًا بأهمية الاستثمار في العنصر البشري، إذ لا يكفي الاعتماد على التقنيات المتطورة فقط، بل إن العنصر البشري المبدع والمجهز بالأدوات اللازمة يبقى خط الدفاع الأول ضد التهديدات الإلكترونية.
المؤتمر العربي لأمن المعلومات لم يكن مجرد لقاء تقني، بل شكل رسالة واضحة مفادها أن الأمن السيبراني لم يعد ترفًا بل ضرورة استراتيجية تمس الأمن القومي والاقتصادي للدول، ومن خلال جمعه بين صناع القرار والخبراء والشباب، نجح في ترسيخ قاعدة للتعاون والتكامل العربي والدولي، بما يسهم في تعزيز قدرة المنطقة على مواجهة المخاطر الإلكترونية المتصاعدة.
وبينما يستمر المؤتمر في دوراته المقبلة، يظل التحدي الأكبر هو تحويل التوصيات والنقاشات إلى استراتيجيات عملية تُطبق على أرض الواقع، بما يضمن بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة في العالم العربي.