قطوف
الصياد والبحر

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

ألقى صنارته فى النهر، بعد تأكده من وجود الطعم بها، جلس يتأمل النهر فى هدوء تام وسكون، المخلاة جواره فارغة فى انتظار الصيد الوفير، من أسماك البورى والبلطى وما يجود به النهر، تحسبه للوهلة الأولى صيادا ماهرا، دون أن تدرك أنها المرة الأولى، التى أشار عليه بها أحد الأصدقاء بعد فشله فى زحزحة الهم ومحاولة لتطهير الروح من العفن العالق بها، الصنارة لا تحتال عليه بالكذب فهى تارة تأتيه فارغة، وفى أخرى تأتيه بالخير.
وحدها الطبيعة تزهو وتزهر بعد العواصف، بينما يتهدم الإنسان ويسقط.
أشرقت الشمس من وراء السحب، وبادلت الصياد الضياء والابتسام، لا يدرى هو من اختار النهر أم النهر الذى اختاره ليسمع حكاياته، ويمنحه الحب الذى افتقده.
لا يرى غير جفاف الأشياء حوله، حكاياته شتائية الطقوس لا يعتذر عنها، الألم بداخله له ضجيج
يطحن عظام الصمت، يحكى عن امرأة تسير فى بهو الروح، يرتاح على أعتاب أهدابها، تعيش الطيور على مطر ابتسامتها، فى عينيها قدرة مدهشة فى التأثير على محدثها، ومحاصرته وتهيئته للتسليم بما تريد، تريد الحب دون انتقاص.
خرجت من صدره آهة مجروحة، ارتعد لها النهر، يكمل الحكاية، بينما يعبران الطريق تحت الشمس التى مست شغاف قلبهما، انكسر الحلم مثل زهرة هجرها المطر وندى الصبح، أضحى كل من هما مدينة غابرة، تسكنها الأشباح، أمسك به الليل، الضوء فى عينيه شحيح كمخلاته الفارغة، تستفيق روحه من غشاوة الرؤى وتسرى نسمة خفيفة تتسلل إلى رئتيه، حين أبصر كف النهر الممتدة نحوه، مثل يد أم حنون بولدها، لأول مرة يرى الليل رائقا وشفافا وصافيا، يشرب أشعة القمر ويرتوى بالضوء، طارحا على كتفيه الصنارة ومخلاته الفارغة، مودعا النهر بعد رواء شجر روحه، وتخفف أحماله التى حملها عنه النهر، تتبعه آلاف النجمات وأغاريد المساء الحالمة.