فى غزة.. «يخرج الحى من الميت»

«حامد» ولادة من رحم النار.. والفلسطينيون يستغيثون بعالم أخرس
سقطت خيمة صغيرة كانت تحتمى بها عائلة فلسطينية بسيطة من برد النزوح وحره. فى مخيم البريج شرق غزة، فى قصف لم يبق من الحياة شيئا، وارتفع صراخ الأطفال فجأة ثم صمت كل شىء إلا نبضا صغيرا كان يختبئ فى رحم أمه.
طفل آخر فى غزة يولد بلا حضن، بلا أم، بلا أب فقط شهادة ميلاد تحمل تاريخ مجزرة.
ارتقت الأم والأب شهدَين تحت الركام، بينما هرع الأطباء يبحثون بين الأشلاء عن معجزة ومن بين أنفاسها الأخيرة، استخرجوا الطفل «حامد جبر» بعملية قيصرية، ليكتب له أن يرى النور من رحم الموت. فى ولادة من رحم النار.
وحده «حامد»، الرضيع الذى لم يعرف بعد معنى الفقد، خرج من بين الركام وقد كتب له أن يحمل على كتفيه حكاية عائلة كاملة لم يعد منها أحد. لم يعد له صدر أم يحنو عليه، ولا يد أب تحتضنه، ولا إخوة يشاركونه ضحكات الطفولة.
أصبح الرضيع الناجى الوحيد والشاهد الصغير على جريمة كبرى.
يقول الدكتور «عبدالله منير البرش» مدير عام فى وزارة الصحة الفلسطينية فى غزة «هذا الطفل لم يخرج إلى الدنيا كما يخرج سائر الأطفال، بل انتزع من بين الركام وصوت الانفجارات، بعملية قيصرية طارئة فى غرفة الطوارئ بعدما استهدفت خيمة عائلته».
ويضيف «البرش»: بقى هو وحيدا يواجه حياة لم يخترها، بل فرضت عليه بين الدخان والصراخ أخذ مسرعا إلى قسم الحضانة، ملفوفا بأغطية متواضعة وأجهزة بدائية تحاول إبقاء أنفاسه الصغيرة معلقة بخيط الحياة.
اليوم، يلتف حوله الجميع فى المستشفى، يضعون أصابعهم الصغيرة فى يده وكأنهم يستعيرون منه بعض الصبر. حامد لا يعرف أنه ولد يتيما، لكنه يحمل رسالة صامتة للعالم أن غزة تنجب الحياة حتى من قلب الموت، وأن طفلا واحدا يمكن أن يفضح صمت الكون كله.
ويواجه قطاع غزة، تكدسا سكانيا كبيرا، وطوابير للمياه، وتهافتا على ما تبقى من تكايا الطعام الخيرية، فيما يعانى النازحون من نقص حاد فى أبسط مقومات الحياة.
ويعانى النازحون من الاكتظاظ داخل المخيمات مما يجعل من المستحيل استيعاب المزيد من الأسر الفارة من القصف، حيث لا توجد مساحات كافية لنصب خيام جديدة، ولا بنية تحتية صحية تدعم هذه الكثافة.
وتحذر الجهات الطبية من أن استمرار موجات النزوح دون توفير بدائل حقيقية يهدد بوقوع كارثة طبية كبيرة، تضاف إلى سلسلة الأزمات الصحية المتتالية التى ضربت القطاع منذ بداية الحرب.
وحذر المكتب الإعلامى الحكومى، من أن النزوح القسرى نحو محافظات الجنوب فى قطاع غزة يواجه عقبات شبه مستحيلة، خاصة مع وجود عجز فى مراكز الإيواء يفوق 96%، مما يجعل محافظات الوسط والجنوب غير قادرة على استيعاب أكثر من 1.3 مليون نازح قسرى من مدينة غزة.
وأكد رئيس بلدية دير البلح، نزار عياش أن المدينة وصلت إلى حالة من الاكتظاظ الكامل، حيث لم يعد هناك أى مساحة متاحة لاستقبال خيام نزوح جديدة.
وأضاف أن المناطق الساحلية ممتلئة بشكل تام، فى حين أن المناطق الشرقية من المدينة تشهد عمليات عسكرية متواصلة تجعلها غير آمنة للسكان.
وأشار عياش إلى أن البنية التحتية فى دير البلح تعانى من التدهور الشديد، حيث تعتمد محطة تحلية المياه على كميات محدودة من الوقود لا تكفى إلا لتوفير مياه لعدد ضئيل من السكان، وهو ما يزيد من حدة الأزمة المائية.
وأشار إلى أن موجات النزوح السابقة خلّفت كوارث بيئية وصحية فى المدينة بسبب الاكتظاظ الشديد ونقص الخدمات الأساسية، وأن هذه الأزمات تتفاقم الآن بشكل أكبر مع تكرار موجات النزوح، مما يهدد بتدهور أوضاع إنسانية خطيرة فى دير البلح وبقية مناطق المحافظة الوسطى.
ونشرت كتائب القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، رسالة مصورة للأسير الإسرائيلى «غاى دلال» المحتجز لديها فى قطاع غزة، يظهر خلالها وهو يتجول بسيارة بين ركام المنازل فى مقطع مصور بتاريخ 28 أغسطس الماضى.
وقال الأسير دلال «كنا نعتقد أننا أسرى لدى حماس، لكن الحقيقة أننا أسرى لدى حكومتنا، لدى نتنياهو وبن غفير وسموتريتش».
وأوضح الأسير الصهيونى فى الفيديو أن معاناته ومعاناة بقية الأسرى فى غزة متواصلة يوميًا، معربًا عن صعوبة الظروف التى يمر بها نحو 2 مليون من أهالى القطاع، من نقص فى الماء والغذاء والغاز والكهرباء.
وأكد دلال أن حكومته تكذب طوال الوقت وتعيق عودة الأسرى إلى منازلهم، مشيرا إلى أن هذه الظروف القاسية تتفاقم نتيجة سياسات الاحتلال والإهمال المستمر للأسرى المدنيين.
وأشار «دلال» إلى شعوره بالخوف الشديد من أى هجوم محتمل لقواته على قطاع غزة، مؤكدا أن ذلك قد يعرض حياتهم للخطر ويهدد حياتهم بالموت.
ووجه دلال رسالة مباشرة للإسرائيليين، دعاهم فيها إلى التحرك والمطالبة بالإفراج عن الأسرى، وإحداث ضغط شعبى على الحكومة لوقف العدوان وإنقاذ حياتهم.
وكانت حركة حماس قد وافقت فى 18 أغسطس الماضى على مقترح وسطاء لإنجاز صفقة جزئية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى فى غزة، بما يتوافق مع مقترح سابق للمبعوث الأمريكى ستيفن ويتكوف، إلا أن إسرائيل لم ترد على الوساطة ولم تنفذ أيا من بنوده.
وتسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى تصعيد العمليات العسكرية فى غزة بحجة تحرير الأسرى ومواجهة حماس، وسط تحذيرات من مسؤولين سابقين والقوات بأن هذه العمليات قد تعرض حياة الأسرى للخطر.
استهدفت طائرات الاحتلال برج مشتهى قرب ميدان أنصار غرب مدينة غزة بعدة غارات متزامنة شكلت حزاما ناريا مما أدى لانهياره تزامنا مع محارق مستمرة للفلسطينيين. ويصر أصحاب الأرض على رفض دعوات الاحتلال للنزوح نحو جنوب القطاع، فى وقت أجبر فيه الاحتلال غالبية أهالى غزة على الانتقال جنوبا، ما يزيد من معاناتهم بعد نزوحهم المتكرر منذ بداية الحرب، وسط استمرار المجاعة، وانتشار الأمراض، وتدهور الأوضاع المعيشية فى مختلف أنحاء القطاع.