«غزة تستغيث ولا أحد يجيب»
فلسطين تخيم على فعاليات «فينيسيا السينمائى» الدولى فى دورته الـ82

يختتم غداً مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى فعاليات دورته الثانية والثمانين، التى شهدت مشاركة سينمائية واسعة من مختلف أنحاء العالم، لكن ما طبع المهرجان هذا العام بخصوصيته كان الحضور الطاغى لقضية غزة، التى فرضت نفسها على الفعاليات عبر فيلم وثائقى مؤثر وندوات ونقاشات أعادت المأساة الفلسطينية إلى الواجهة السينمائية بفينينسيا.
من أبرز الأفلام التى أثارت الانتباه والتعاطف مع القضية الفلسطينية فيلم «صوت هند رجب»، وترك الفيلم أثراً عميقاً لدى الجمهور والنقاد على حد سواء، واعتبر من أبرز المحطات الإنسانية فى تاريخ المهرجان. لم يكن مجرد فيلم، بل شهادة حية على معاناة إنسانية متواصلة، تحولت فيه السينما إلى وسيلة مقاومة بالكلمة والصورة، وصوت من لا صوت لهم.
واستقبل جمهور المهرجان أبطال الفيلم بعاصفة من التصفيق الحار لعدة دقائق، بعد انتهاء عرضه العالمى الأول، ورفع الممثل الفلسطينى معتز مليس علم فلسطين وسط عاصفة من التصفيق.
وفى مؤتمر صحفى بمناسبة عرض الفيلم المشارك فى المسابقة الرسمية، قالت المخرجة التونسية كوثر بن هنية إنها عندما استمعت لأول مرة إلى استغاثة الطفلة هند رجب فى نشرات الأخبار، شعرت بأن صوتها لا يمثلها وحدها، بل يمثل غزة بأكملها: «غزة تستغيث ولا أحد يجيب»، مؤكدة أن السينما قادرة على أن تكون صدى لتلك الصرخات.
الفيلم يوثق مأساة الطفلة هند رجب (6 سنوات) التى استشهدت فى يناير 2024 بعدما وجدت نفسها محاصرة وسط جثث عائلتها داخل سيارة استهدفتها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى حى تل الهوى بمدينة غزة.
فى ذلك اليوم كان متطوعو الهلال الأحمر الفلسطينى يتلقون اتصالاً من الطفلة الصغيرة، التى راحت تناشدهم بعبارات موجعة: «تعالوا خدوني.. رنوا على حدا ييجى ياخدني.. أمانة.. أنا بخاف من الظلام..» وعلى الرغم من محاولات المسعفين إرسال سيارة إنقاذ إليها، إلا أن قوات الاحتلال منعت وصولها، لتفارق الطفلة الحياة وحيدة وسط الظلام والدمار.
القصة المأساوية بدأت حين تلقت فرق الإسعاف نداء استغاثة من قريبتها ليان حمادة، البالغة من العمر 15 عاماً، التى استشهدت أيضاً برصاص الاحتلال أثناء محاولتها الهرب مع عائلتها. بعدها التقطت هند الخط، لتروى آخر لحظاتها فى الحياة، وتتحول إلى رمز لطفولة غزة المحاصرة بين الخوف والدماء.
ودعم نجوم إيطاليا القضية الفلسطينية وأهل غزة ورفض ممارسات الاحتلال فى تجويع الشعب الفلسطينى المحاصر داخل القطاع، وذلك على السجادة الحمراء لمهرجان فينيسيا السينما وتحديداً سجادة عرض فيلم PORTOBELLO، حيث حرص النجم فابريزيو جيفونى على ارتداء شارة فلسطين فى القلب وهى عبارة عن علم فلسطين على شكل قلب، فيما ارتدى لينو موسيلا، الشال الفلسطينى، وحضر العرض الفنانة رومانا ماجيورا فيرجانو.
ورغم هيمنة غزة على الأجواء، حافظ المهرجان على زخمه السينمائى؛ إذ افتتحت فعالياته بفيلم «LA GRAZIA» للمخرج الإيطالى باولو سورينتينو، بينما جاء الختام بفيلم «CHIEN51» للمخرج الفرنسى سيدريك جيمينيز. كما منح الأسد الذهبى للتكريم مدى الحياة لكل من المخرج الألمانى فيرنر هرتزوغ وأيقونة هوليوود كيم نوفاك، تقديراً لمسيرتهما الفنية الممتدة عبر عقود.
ويمثل «ماتش بوينت أرينا» مساحة مبتكرة داخل المهرجان تهدف إلى تحويل التفاعل بين الفنانين والجمهور إلى تجربة أكثر حيوية وثراءً. وقد تم إطلاق هذه المبادرة لتكون منصة مخصصة للنقاشات المفتوحة، الماستركلاس، والحوارات التفاعلية.
يشرف على البرنامج فريق المهرجان بقيادة المدير الفنى ألبرتو باربيرا، الذى أكد أن الهدف الأساسى هو «خلق فضاء يتيح تبادل الخبرات بين المخضرمين فى السينما وصناع الأفلام الشباب، بما يعزز من مكانة فينيسيا كجسر عالمى للحوار الفنى والثقافى».
منذ تأسيسه عام 1932، ظل مهرجان فينيسيا منصة فنية وثقافية رائدة، لكنه فى هذه الدورة حمل بعداً إنسانياً استثنائياً. فقد تحولت شاشاته وسجادته الحمراء إلى منبر عالمى يروى مأساة غزة، ويؤكد أن السينما قادرة على كسر الصمت، وعلى أن تكون جسراً بين الحلم الفنى والصرخة الإنسانية.

