من كفر شكر إلى أسوان.. صرخة الفلاح المصري في عيده بين الغلاء والعطش

ما زال الفلاح المصري في قلب التحديات التي تثقل كاهله مع كل موسم زراعي جديد ورغم مرور أكثر من سبعين عامًا على قانون الإصلاح الزراعي عام 1952 الذي غير خريطة الملكية الزراعية فإن مشكلات القرية المصرية ما زالت متشابكة ومتجددة وتنعكس على حياة ملايين المزارعين في عيد الفلاح الذي يحل كل عام في التاسع من سبتمبر.
ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج في أغلب القرى
تتصدر مشكلة ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور والمبيدات قائمة معاناة الفلاحين في قرى مثل عزبة أباظة بكفر شكر في القليوبية وقرى محافظة البحيرة وقرى محافظة المنوفية قرى الصعيد في أسيوط وسوهاج وبني سويف وقنا حيث يجد الفلاح نفسه أمام تكاليف لا يستطيع تغطيتها في ظل غياب الدعم الكافي.
كما يشتكي الفلاحون في قرية إسلام محمود بالبحيرة من صعوبة الحصول على هذه المستلزمات بسبب نقصها في الأسواق وهو ما يدفع بعضهم للجوء إلى السوق السوداء.

أزمات مياه الري وتلوث الترع
تظهر مشكلة نقص المياه بوضوح في قرى مركز العدوة بالمنيا مثل كفر الصالحين وبني العلم وصفانية حيث انقطعت المياه لفترات طويلة ما أجبر الفلاحين على حفر آبار جوفية أرهقت ميزانياتهم وفي محافظة الشرقية يعاني مركز كفر صقر من بوار آلاف الأفدنة بسبب غياب المياه.
بينما تعاني قرية أم الرضا في دمياط من نقص حاد دفع البعض لاستخدام مياه الصرف الصحي لري الأراضي، في حين تتكرر نفس المعاناة في الدقهلية نتيجة المخالفات في زراعة الأرز التي تستهلك كميات ضخمة من المياه وتلوث الترع والمصارف، كما يشتكي فلاحو كفر الشيخ من تدهور جودة المياه بالترع مما أثر سلبا على إنتاجية المحاصيل.

تدهور جودة الأراضي الزراعية وزيادة الملوحة
ترتفع نسبة الملوحة في قرى الصعيد عامة وفي أسيوط خاصة مع زيادة منسوب المياه الجوفية ما يقلل خصوبة التربة ويؤدي إلى تراجع الإنتاج.
كما تواجه محافظة الإسماعيلية نفس الأزمة بارتفاع منسوب المياه الجوفية وملوحة الأراضي وهو ما يستدعي حلول عاجلة لحماية الرقعة الزراعية
مشاكل تسويق المحاصيل وضعف العائد
يصرخ الفلاحون في معصرة صاوي بالفيوم من الانخفاض الكبير في أسعار القطن الذي لا يغطي تكاليف الإنتاج مما يدفع الكثيرين لترك زراعته بينما يشتكي مزارعو البحر الأحمر ومطروح وشمال سيناء من صعوبة تسويق منتجاتهم بسبب بُعد الأسواق الرئيسية وضعف شبكات النقل في حين يعاني فلاحو الإسماعيلية من تدهور جودة المحاصيل نتيجة نقص الأسمدة ما يعقد عملية التسويق ويضعف قدرتهم على المنافسة.

ضعف دور الجمعيات والإرشاد الزراعي
تعد قرية عزبة أباظة بالقليوبية مثال واضح على غياب دور الجمعيات التعاونية التي لم تعد توفر الخدمات التي يحتاجها المزارع.
كما يفتقد فلاحو أسيوط وسوهاج وبني سويف وقنا وكذلك في المنوفية لوجود شبكة إرشاد زراعي مدربة توجههم إلى طرق الاستخدام الصحيح للأسمدة والمبيدات وهو ما يزيد نسبة الفاقد من المحاصيل ويضاعف التكلفة.

مشكلات خاصة بكل محافظة
تتأثر المحاصيل في أسوان بارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ خاصة في المناطق الصحراوية أما في الوادي الجديد فالمشكلة الأبرز هي تأخر صرف مستحقات الفلاحين من الدعم الحكومي.
بينما يعاني مزارعو جنوب سيناء من قلة الأراضي الزراعية وصعوبة التسويق وفي مطروح تمثل تقلبات الأمطار وتغير المناخ تحديا كبيرا للزراعة المحدودة في المنطقة
عيد الفلاح المصري يتحول إلى منصة غضب ومطالب عاجلة
رغم اختلاف المحافظات، إلا أن المطالب تتكرر في معظم القرى بداية من توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة وخفض إيجارات الأراضي وصولا إلى تطوير شبكات الري وتطهير الترع وتفعيل الزراعة التعاقدية لضمان تسويق المحاصيل بسعر عادل.
ويضاف إلى ذلك مطالب خاصة مثل تحديد سعر منصف للقطن في الفيوم وتقديم دعم للفلاحين المتضررين من نقص المياه في المنيا أو من تغير المناخ في مطروح وأسوان.

جهود حكومية وتوصيات مستقبلية
تعمل الدولة من خلال مشروع حياة كريمة على تحسين أوضاع القرى الزراعية وتبطين الترع وتطوير شبكات الري.
كما تقدم الحكومة دعما لأسعار بعض المحاصيل لكن الفلاحون يرون أن المطلوب هو برامج تدريبية مستمرة للفلاحين وتشجيع الاستثمار الزراعي وتطوير نظم التخزين والتسويق بما يضمن الحفاظ على حقوق الفلاح وتحقيق الأمن الغذائي
الفلاح المصري بين أزمات الإنتاج ومطالب القرى في عيد الفلاح
يقف الفلاح المصري اليوم في مواجهة أزمات مركبة تجمع بين نقص المياه وارتفاع التكاليف وتدهور الأراضي وضعف التسويق وهو ما يستدعي تحركا شاملا يضمن استمرار الزراعة كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ومع كل عيد للفلاح يتجدد الأمل في أن تجد هذه المطالب طريقها إلى التنفيذ بما يحفظ حق المزارع المصري ويحقق التنمية المستدامة للريف.

فاليوم لم يعد الفلاح المصري يطلب رفاهية أو امتيازات خاصة بل يطالب فقط بحقه في البقاء والاستمرار فالأرض التي تزرع القمح والقطن والخضروات مهددة بالعطش والملوحة والغلاء.
وإذا لم تتحرك الدولة والمجتمع بكل قوة لإنقاذ الفلاح فإننا نخاطر بفقدان سلاحنا الأول في معركة الغذاء وأمننا القومي سيظل مرهونا بقدرة الفلاح المصري على الصمود ولن يصمد وحده بعد الآن.