فى مثل هذا اليوم المبارك أشرقت الأرض بنور لم ولن ينطفئ، نور حمله إلى الدنيا خير خلق الله، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، رسول الإنسانية ورحمة الله المهداة.
لم يكن مولده حدثًا عابرًا، بل كان نقطة تحول كبرى فى تاريخ البشرية.. ففى ربيع الأول لم يولد رجل فحسب، بل ولدت أمة، وانبثق فجر جديد أنهى عصور الظلام، ورد للإنسان كرامته، وأعاد للأخلاق مكانتها، وللحياة معناها الحقيقى.
لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم العالم أن الرحمة قوة، وأن الصدق أساس، وأن الكلمة الصادقة قد تغير وجه الأرض.. ولقد شهد له ربه فى كتابه الكريم بقوله: «وإنك لعلى خلق عظيم»، وهى شهادة خالدة لا تمنح إلا لمن كان قدوة للعالمين.
ولد النبى صلى الله عليه وسلم فى زمن كانت فيه الإنسانية تئن تحت وطأة الجهل والظلم والعبودية، فجاء ميلاده نورًا أضاء الكون، وبشر بعصر جديد من العدالة والحرية والإيمان.
لقد اجتمع فى شخصه أعظم ما يمكن أن يجتمع فى بشر.. كان الصادق الأمين قبل البعثة، وكان الرؤوف الرحيم بعدها، القائد الحكيم، الزوج العطوف، والمعلم المخلص الذى لم ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى.
ومع كل احتفال بذكرى مولده الشريف، ينبغى أن تكون المناسبة محطة للمراجعة والتأمل:
هل نحن حقًا على خطاه سائرون؟
هل نجسد فى حياتنا قيمه ومبادئه؟
هل نتمسك بالصدق ونواجه الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة كما كان يفعل؟
فالاحتفال الحقيقى ليس بالزينة والأناشيد وحدها، بل بالاقتداء بسيرته، وتطبيق سنته، ونشر الرحمة فى الأرض كما نشرها.. فقد قال صلى الله عليه وسلم.. «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وبكل تأكيد إن مصر والعالم أجمع اليوم وسط ما يشهده من صراعات وحروب وغياب للقيم، فى أمس الحاجة إلى العودة إلى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم.. الحاجة إلى الرحمة بدل القسوة، إلى العدل بدل الظلم، وإلى السلام بدل الصراع.
فدعوة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن لطائفة أو أمة بعينها، بل كانت للعالمين، دعوة للحياة، دعوة للسلام، دعوة للإنسانية.
ليكن مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ميلادًا جديدًا فى داخل كل إنسان.. ميلاد ضمير حى ورحمة تسع الجميع، وعزم صادق لأن نكون بحق خير أمة أُخرجت للناس.
سلام على من علم البشرية معنى الإنسانية..
على من سيبقى قدوتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.