رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

هَذَا رَأْيِي

وقت الحروب تكون للكلمة أثر لا يقل عن أثر الصاروخ أو الرصاصة.. كما أن لمن يلقى هذه الكلمة دوره فى حشد الهمم وبث الثقة فى نفوس المقاتلين على الجبهة وطمأنة الجمهور فى ربوع البلاد وبث الرعب فى قلوب الأعداء.. من يتولى مسئولية إلقاء البيانات أو التصريحات وقت الحروب يترك أثرًا وذكرى فى وعى الشعوب وذاكرتها.. منهم من يذكرنا بطرائف أو مواقف علقت بأذهاننا ووعينا مثل ما كان يصدر من وزير الإعلام العراقى محمد سعيد الصحاف أبان غزو العراق ووصفه للقوات الأمريكية والبريطانية بـ«العلوج» وبياناته النارية عن تحقيق انتصارات للجيش العراقى حتى سقطت بغداد.. ومنهم من تميز بصوته الرصين والذى أطلق عليه صوت النصر كصوت حلمى البلك الذى أذاع البيان الأول لنصر أكتوبر المجيد والعديد من بيانات الحرب.. منهم أيضًا من ترك فينا بجديته ومهنيته صورًا حقيقية من أرض المعركة مثل حمدى الكنيسى ببرنامج «صوت المعركة» و«يوميات مراسل حربى».. ومنهم من مثَل لنا صوتًا للصمود والأمل والثقة أمثال أبوعبيدة أو كما يطلق عليه الملثم وهو المتحدث الرسمى لكتائب عزالدين القسام الجناح العسكرى لحركة المقاومة حماس.. لغته الفصيحة وبلاغته وأسلوبه الرصين ومصداقيته جعلت منه أيقونة إعلامية، وأكسبته شعبيه لدى العالم العربى وحتى الغربى.. كلمته التى كان ينتظرها العدو قبل الحبيب وخاتمتها «إنه لجهاد نصر أو استشهاد» كانت تهز كيانات وترعب قلوب جنرالات العدو قبل جنوده.. بياناته كان لها الأثر فى تعزيز رسالة المقاومة.. شخصيته المجهولة جعلت منه أسطورة تثير الفضول والرهبة.. بيانات أبوعبيدة تحمل دائمًا نبرة حاسمة وقاطعة، فيها تهديد مدروس ورسائل موجهة للعدو، وأخرى تطمينية للمقاومة والشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم.. بيانات الملثم كانت تشحن الجماهير بالعاطفة والثقة في المقاومة.. أبوعبيدة لم يكن مجرد متحدث إعلامي، بل أداة استراتيجية في الحرب النفسية.. كل إطلالة له تُحسب بدقة، التوقيت، الخلفية، وحتى نبرة الصوت.. رسائله تهدف إلى رفع معنويات الشعب الفلسطيني المحاصر، وفي الوقت ذاته لبث الخوف والارتباك داخل الكيان المحتل.. حين يُعلن عن ظهوره، يعرف الجميع أن حدثًا جللاً قد وقع أو أن رسالةً مصيرية تريد المقاومة بثها.. أبوعبيدة صوت المقاومة ورمز للنضال ونموذج إعلامى فريد وجديد يستحق أن يُدَرس فى كليات الإعلام كنموذج للإعلام المقاوم الذى استطاع بل تفوق على آلة إعلامية صهيونية لديها إمكانات هائلة وجبارة.. أبوعبيدة الغائب الحاضر فى معارك غزة الذي استطاع صناعة موازين القوة، وترسيخ معادلات الردع.. كلماتك كانت تخرج من تحت الركام ومن غزة المحاصرة للعالم أجمع يسمع لها فى صمت وينظر لها نظرة جدية لقوة منطقها ودلالة عباراتها.. في غموضك تكمن قوتك، وفي غيابك يتعاظم حضورك.. لقد صنعت من بياناتك سلاحًا، ومن كلماتك رصاصات تسكن صدور أعدائك، يا أباعبيدة ظهورك القليل كانت له قيمة.. أصبحت أيقونة إعلامية لا تحتاج إلى كشف وجهك ولا ملامحك ولا إلى اسمك الحقيقي، يكفي أن يُقال «أبوعبيدة» حتى تُفتح الآذان وتُشد الأبصار.. لم تكن مجرد صوتٍ يخرج من بين الحناجر، بل كنت صدى فلسطين حين تتكلم، ورجفة الأرض حين تغضب، ودمعة العين حين تتألم ثم تنهض.
ستبقى يا أباعبيدة شاهدًا على أن الكلمة قد تعادل الصاروخ، وأن الوعد حين يصدر من قلبٍ صادق يصبح قدرًا لا يرده أحد..
في ذاكرة الأجيال سيظل اسمك محفورًا، صوتًا للمقاومة الذي لم يرَ الناس وجهه، لكنهم رأوا فيه وجه فلسطين ونضال شعبها وتضحيات مقاومتها.
[email protected]