رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

مراجعات

في كل مرحلة من مراحل العمر، يلتفت الإنسان بعينيه وقلبه وحواسِّه، يبحث عن نموذج يُلهمه.. عن وجهٍ يشعُّ حكمة وثباتًا في زمنٍ متغيِّر.. عن قدوة حسنة تمسك بيديه نحو المعنى، وتمنحه تفسيرًا حيًّا لما يجب أن يكون عليه الإنسان.
ولأن الحياة ليست عبارة عن سلسلة من الأوامر والنواهي، بل تجربة معاشة ـ بكل أبعادها ـ فإن التأثر لا يكون بالكلمات فقط، بل بالأشخاص الذين تجسَّدت فيهم تلك القيم، خصوصًا أن «الناس يتعلمون بالأمثلة لا بالتعليم».
ومهما بلغ التوجيه الأخلاقي من البلاغة، يظل أجوفَ إن لم يدعمه سلوكٌ يُرى ويُحتذى، لتبقى القدوة الحسنة ضرورة لا ترفًا، وحاجة نفسيَّة قبل أن تكون مطلبًا أخلاقيًّا.. فالقِيم لا تُغْرَس وتؤتي اُكلها إلا حين يراها الناس على أرض الواقع.
لذلك نتصور أن القدوة ليست بالضرورة ذات شُهْرَة أو سُلطة أو جَاهٍ.. فقد تكون أمًّا تصبر بصمت، أو أبًا يُعطي بلا مقابل، أو معلمًا يزرع الخير في طلابه دون ضجيج، لكن الأثر الحقيقي يتأصل حين تلتقي الكلمة بالفعل، ويقترن الموقف بالقيمة.
اللافت أن كثيرًا من القدوات المعاصرة، رغم تأثيرها الظاهري، تبقى ناقصة وجزئية ومحدودة.. بعضهم ينجح في جانب ويفشل في آخر، وآخرون يرتقون في الظاهر لكنهم يفتقرون إلى العمق الأخلاقي.. وما أكثر من يلبسون رداء الفضيلة في زماننا البائس.
من هنا، تظهر الحاجة إلى المَثَل الأعلى، الذي تتسق فيه الأخلاق مع الواقع.. والقدوة التي تتماهى فيها الإنسانية مع الرسالة، لتقتدي بها الأجيال الناشئة، وتكون عَوْنًا للمشتغلين بالتربية والإصلاح.. وبالطبع لن نجد مثالًا أسمى من الرسول الأعظم والنبي الخاتم، صلوات ربي وسلامه عليه.
«محمد» الذي حوى الفضائل كلها، وتجلَّت فيه صفات الكمال الإنساني، هو القدوة الحسنة، التي امتدت لأكثر من ألف وخمسمائة عام، وسيمتد أثرها ما بقي على الأرض قرآن، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
لقد تجلّت في رسولنا الكريم أعظم القيم وأنبلها، خصوصًا رحمته بالضعفاء، وصدقه في القول، وعدله مع الأعداء، وتواضعه مع الصغار، وصبره على الأذى، وحلمه مع الجاهلين، فـ«كان خُلُقُه القرآن»، حتى قال عنه خصومه قبل أتباعه: «ما جربنا عليك كذبًا قط».
ولأنه لم يكن قدوة نظرية، بل تجربة إنسانية كاملة نقية، أصبح النموذج الأسمى الذي تتسع ظلاله لكل العصور، ولكل البشر، ليصبح الاقتداء به فرض عين، لا لنَتَشَبَّه بمثاليٍّ، بل لنصبح أفضل ما فينا.
أخيرًا.. في زمن تاهت فيه القِيم وانهارت فيه دعائم الأخلاق، وجب علينا أن نمدَّ أبصارنا نحو النور الساطع، والقدوة الحسنة، وأن ننهل من رحيق السيرة العطرة للنبي «محمد»، لنغرس في أرواحنا ملامح النور، عسى أن نستعيد إنسانيتنا وننهض من ركام الانهيار.

فصل الخطاب:

غياب «القدوة» ليس فقط مجرد فقدان شخص، بل انطفاء شعلةٍ كانت تهدي وتُلهم.. فكيف لأمة أن تنهض بلا منارةٍ تهديها في عتمة الطريق؟

 

[email protected]