6 حكم ربانية من ميلاد النبي ﷺ دون أبٍ

يؤكد علماء السيرة أن ميلاد سيدنا محمد ﷺ يتيمًا لم يكن مصادفة تاريخية، بل حكمة ربانية بالغة أعدّته بها العناية الإلهية لحمل رسالة الرحمة إلى العالمين.
فقد تُوفي والده عبد الله بن عبد المطلب قبل مولده، ثم فقد والدته آمنة بنت وهب وهو ابن ست سنين، لتتشكل شخصيته في كنف الرعاية الإلهية المباشرة، بعيدًا عن مظاهر الجاه والجاهلية، وفيما يلي قراءةٌ شاملة لأبرز ست حكم ذكرها أهل العلم لهذه الحالة الفريدة، إلى جانب عرضٍ موجز لاختلاف الروايات في تاريخ الميلاد.
لماذا وُلد النبي ﷺ يتيمًا؟ ست حكمٍ جامعة
1) نفيُ الشُّبهات وإبطالُ التُّهم
ميلاده ﷺ يتيمًا يقطع الطريق على كل من قد يزعم أن الوحي كان ثمرة توجيهٍ عائلي، أو صناعة آباء وأجداد، وخاصةً مع مكانة جدّه عبد المطلب في قريش، فالنشأة اليتيمة تُظهر استقلال الرسالة عن أي نفوذٍ بشري أو تأثيرٍ عائلي.
2) تجريده من زخارف الجاه والمال
البُعد عن مجد الجاهلية وثرواتها صانَ النبوّة من الالتباس بالمصالح الدنيوية، ورسّخ في الوجدان أن قيمة الرسول في رسالته لا في عمود نسبٍ دنيوي أو رصيدٍ مالي.
3) قدوةٌ كاملةٌ للأيتام
بقاء النبي ﷺ بلا والدٍ ولا أمّ في صغره يجعل منه أسوةً حسنة لكل يتيم؛ يجد في سيرته عزاءً، ويوقن أن الحرمان الدنيوي لا يحجب الاصطفاء والرفعة، مصداقًا لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
4) إعدادٌ مبكّر على الصلابة وتحمل المسؤولية
الخبرات القاسية تصنع القادة، نشأ ﷺ على القوة والصبر وسعة الصدر، ورعى الغنم كإخوتِه من الأنبياء، فاكتسب صفات الرعاية والرحمة واليقظة على شؤون من حوله، وهي أدواتٌ لا غنى عنها في من يحمل رسالةً للعالمين.
5) صناعةٌ إلهيةٌ خالصة
نقاء النشأة من عادات الجاهلية ومحرّماتها، وابتعاده التام عن عبادة الأصنام، شاهدٌ على أن تكوينه كان تربيةَ ربٍّ: توجيهٌ مباشر، وصيانةٌ ظاهرًا وباطنًا، حتى يجيء على عين الله ورسوله.
6) تأصيلُ مكانة اليتيم في التشريع
الاهتمام البالغ باليتيم في القرآن والسنة ليس وعظًا مجرّدًا؛ بل هو قضية تأسيسية ارتبطت بسيرة خاتم الأنبياء منذ طفولته، فتعاظم الأمر بالإحسان إلى اليتامى، وكفالتهم، وصيانة حقوقهم، لتكون الرحمة سياسة مجتمع لا شعارًا عابرًا.
متى وُلد النبي ﷺ؟ روايات التاريخ ويوم الميلاد
اختلف المؤرخون في اليوم الدقيق من ربيع الأول لولادته ﷺ، وإن أجمعوا على أنها كانت عام الفيل ويوم إثنين.
رجّح بعض المحققين — ومنهم المبرّدون في السيرة— أنه التاسع من ربيع الأول، ويوافق حسابًا فلكيًا أواخر إبريل 571م.
وذهب جمهورٌ واسع إلى أنه الثاني عشر من ربيع الأول، وهو الأشهر تداولًا في الموروث الشعبي.
يعزو أهل الاختصاص هذا التباين إلى أن العرب لم يكونوا يُقَيِّدون المواليد بتواريخ دقيقة، بل يؤرخون بالحوادث الكبرى؛ ومن ثمّ ظلّ يوم الإثنين في ربيع الأول سنة الفيل علامةً جامعةً تُلخّص ذاكرة الميلاد.
يقدّم اليُتم النبوي درسًا خالدًا: إن العناية الإلهية حين تتولى إنسانًا تصنع منه قائدًا أمةٍ، وتُخرجه من شظف العيش إلى سؤدد الرسالة، ومن سيرته ﷺ نستقي أن الكرامة ليست في عصبية النسب ولا في رصيد المال، بل في الصدق والأمانة والرحمة، وفي أن يكون القلب معلّقًا بالله وحده.