رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

قطوف

حلم على غلاف مجلة

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"

في قريةٍ جبليةٍ على الساحل السوري، حيث تعانق أشجار الزيتون الصخور وتُلامس أمواج البحر الشاطئ، نشأ سمير وناديا . كانا يافعين، تملأ قلوبهما البراءة والأحلام الكبيرة، يقضيان أيامهما بين دروب القرية العتيقة وعلى شرفة الجبال المطلة على الأفق الأزرق


كانت ضحكاتهما تتردد بين البيوت الحجرية، وأحاديثهما تمتد مع غروب الشمس. يتبادلان الأسرار والأمنيات، يحلمان بمستقبلٍ مشرقٍ معًا، وكأن الزمن سيتوقف عند تلك اللحظات الساحرة التي جمعتهما.
سمير  : اشتقتُ إلي عينيكِ . 
ناديا : الشوقُ إليكَ لا ينتهي . والحديثُ معكَ لا يتوقف . 
سمير : لعل الشوقَ والروحَ توأمانِ لا يفترقان. 
ناديا  : تتجاذبُ الأرواحُ وتنسجمُ في عالمٍ سحريٍّ فترقدُ الأجسادُ وتستكين .
سمير : هل تؤمنينَ بقوةِ العشق ؟
ناديا : لولا العشقُ لما كان الأمل ، ولما انتصرتْ الإرادة . 
سمير : ولكن ، هل يعشقُ كلُّ البشر؟ 
ناديا : تتعددُ صورُ العشق ، وتتجددُ ألوانُه. 
سمير : كم يأسرُني حرفُكِ ! أتعلمين ما هي نظرية توأمة الروح ؟                                
ناديا  ( تبتسم ابتسامة جذابة ) :  اغلبْني هذه المرة ، واخبرْنِي يا حضرةَ الفيلسوف . 
سمير: تحدث الشاعرُ الكوميديُّ " أريستوفان " في نظرية توأمة الروح عن الأسطورة التي تقول  أن البشرَ لم يكونوا  ذكورًا وإناثًا منفصِلِينَ ، بل كانوا متحدينَ في شخصٍ واحدٍ بأربعةِ من الأيدي والأرجل ، وزوجٍ من الرؤوس ، لكنَّ غرورَهُم اشتدَّ وتجرؤوا على مهاجمة الآلهة ، فعاقبهُم الإلهُ  زيوس ، وشطرَهُم لنصفين ، ليتركَهُم يهيمونَ في الأرض ، كلُّ نصفٍ يبحثُ عن نصفهِ الآخر . هذا ما يُسمَّى توأمةَ الروح
ناديا : أنت نصفي الآخر  ياحضرة الفيلسوف سقراط (يضحكان)


ذات يوم، جاء الخبر كالصاعقة: عائلة ناديا ستهاجر إلى أمريكا. تحطم عالمهما الهادئ، وتلاشت أحلامهما الوردية أمام حقيقة الفراق المريرة. شعرت ناديا بثقل العالم على كتفيها، بينما كان سمير يحاول جاهداً أن يتمالك نفسه.

 

في لحظة الوداع، تلاقت الأيدي المرتعشة والعيون الدامعة. 
ناديا : مع الزمن يتحول الألمُ إلى حزنٍ ، ويتحولُ الحزنُ إلى صمت ، ويتحولُ الصمتُ إلى وِحدةٍ ضخمةٍ وشاسعةٍ كالمحيطاتِ  المظلمة "
سمير :من يحب تبقى روحُهُ تطوفُ حولِ محبوبه ، لا تفارقُهُ البتة ، وإن بعُدَت بينهما المسافات .

وعدا بعضهما البعض بالوفاء والبقاء على تواصل مهما طال الزمن، لكن المسافة وتقادم السنوات كانا خصمين قويين. غادرت ناديا، تاركةً خلفها قلب سمير معلقاً بذكرياتٍ لن تمحوها الأيام.


مرت عشرون عاماً كأنها حلم. بقي سمير في قريته، رجلاً ناضجاً الآن، يعمل في أرضه، وحياته بسيطة وهادئة. لكن صورة ناديا لم تفارق مخيلته، وظلت ذكراها محفورة في أعماق قلبه.


وفي أحد الأيام، بينما كان يتصفح مجلة أجنبية في متجر صغير بالقرية، وقعت عيناه على صورةٍ على الغلاف. كانت هي! ناديا ، وقد أصبحت امرأة فاتنة وناجحة، تتألق تحت أضواء الشهرة. نبض قلبه بقوة، وكأن الزمن قد عاد إلى الوراء.


أشعلت تلك الصورة شرارة الأمل في صدر سمير. قرر أن يتبع حلمه، وأن يسافر إلى أمريكا بحثاً عنها. لم يكن يعلم ما يخبئه له القدر، لكن الشوق والحنين دفعاه لخوض هذه المغامرة.


كانت الرحلة طويلة وشاقة. وصل سمير إلى أمريكا، صُدم بضخامة المدن وصخبها، عالمٌ مختلفٌ تماماً عن قريته الهادئة. شعر بالغربة والضياع، لكن إصراره على إيجاد ناديا كان أقوى من أي شعور آخر.


بعد بحثٍ مضنٍ، تمكن من تحديد مكانها. رآها من بعيد، في حفلٍ فاخر، محاطةً بأناسٍ يرتدون أفخر الثياب، يتحدثون لغةً لم يفهمها. كانت تضحك، ولكن ضحكتها لم تكن تلك الضحكة التي عرفها.
تقدم نحوها بإشتياق وعيناه تلمع بالحب والذكريات ، لكن لم يرى في عينيها سوى البرود والتجاهل وبريق المجوهرات ، إنسحب من الحفل دون أن تعرف من هو .


أدرك سمير في تلك اللحظة المؤلمة أن ناديا التي عرفها قد اختفت. لقد تغير عالمها وفكرها، وأصبحت امرأةً تنتمي إلى عالمٍ آخر، بعيداً كل البعد عن قريته البسيطة وذكرياتهما المشتركة. شعر بحزنٍ عميقٍ يمزق قلبه.


دون أن يراها أو يتحدث إليها، اتخذ سمير قراره الصعب. استدار وغادر المكان، حاملاً معه خيبة أملٍ كبيرة. لم يكن الحلم الذي طارده هو الواقع الذي وجده.

 

‏‎عاد سمير إلى قريته، إلى أحضان الجبال والبحر الذي شهد على حبهما الأول. حمل معه ذكرياتٍ حلوة ومرة، ووجد العزاء في هدوء قريته، متصالحاً مع قدره، ومدركاً أن بعض الأحلام يجب أن تبقى مجرد ذكريات جميلة.