رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

إطلالة

في زمن السرعة ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح أي مشهد عفوي، كلمة، أو حتى تعبير وجه، مؤهلاً للتحول إلى "تريند". ولكن ما يبدو للناس كموجة صادقة تعبّر عن الشارع، ما هو إلا صناعة متقنة تُدار خلف الكواليس. وأحدث هذه الأمثلة هو "تريند طفلة الشيبسي"، الذي بدأ بمقطع عفوي، وانتهى بساحة تنافس تجاري وإعلامي لا تمت للواقع بصلة. في البداية تفاعل الناس بحب وبساطة. لكن خلال أيام، تحولت الطفلة إلى مادة دعائية تسويقية. الشركات الكبرى تسابقت للتعامل معها، حملات إعلانية انهالت، مؤسسات دخلت على الخط لتظهر أنها "الأسبق" في دعمها، واتخذ الفنان تامر حسني الموضوع مسلكاّ كنوع من الدعاية له ، والمؤثرون صنعوا محتوى عنها... وكأن الجميع وجد في التريند فرصة ذهبية للظهور وليس للتقدير.
هنا تتجلى خطورة التريندات، كيف يتحول محتوى عفوي إلى صناعة ضخمة، يُستخدم فيها أشخاص عاديون دون وعي منهم، لتصبح الظاهرة بعيدة كل البعد عن أصلها الحقيقي. بل يُعاد تشكيلها لتخدم أهدافًا تجارية أو إعلامية بحتة. 
واقعة "طفلة الشيبسي" كواحدة من تلك اللحظات الإنسانية البسيطة التي تحولت فجأة إلى حدث وطني ، وتبدأ الامتيازات في الانهمار احتفاء رسمي، هدايا، تغطيات إعلامية، دعوات لحضور مناسبات، كل هذه الاحداث ليست استثناءً، بل هو نموذج متكرر. فالتريند يبدأ بعفوية، ثم يدخل في مرحلة الصناعة،  شركات تسويق، صُناع محتوى، وسائل إعلام، كلها تضع يدها عليه، وتبدأ في تضخيمه، كلٌ بطريقته، حتى يصبح الحديث الأساسي في المجتمع، ويُغطي على ما هو أهم.
لا أحد ينكر أن ما فعلته الطفلة تصرف نبيل وجميل، يعكس تربية صالحة وصفاء نية، وربما يذكرنا بما نفتقده في تعاملاتنا اليومية. ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح نفسه هل هذا الموقف الإنساني يستحق كل هذا التضخيم الإعلامي؟ ولماذا هذا الموقف تحديدًا، من بين آلاف المواقف المشابهة وربما أكثر إنسانية وعمقًا، هو الذي وجد طريقه إلى قلوب الملايين ومنصات الإعلام؟ ومن الذي قرر أن هذه الطفلة يجب أن تكون "أيقونة" اللحظة، ولماذا؟
هذه التريندات تتكرر بنفس القالب لحظة إنسانية بسيطة، كاميرا جاهزة، نشر فوري، تعاطف واسع، ثم دخول المؤسسات والجهات الرسمية على الخط لتكريس الصورة وتضخيم القصة،والمثير في واقعة الطفلة أن الفيديو كان مصورًا بشكل مثالي، بزوايا واضحة، تم التقاطها بدقة. هذا قد يوحي أن الواقعة لم تكن تلقائية بالكامل، أو على الأقل تم "استثمارها" بذكاء إعلامي بعد حدوثها، مما يطرح تساؤلات حول حجم التلقائية في هذه المشاهد، ومن الذي تبرع بنشر هذا الفيديو علي نطاق واسع بهذا الشكل حتي تصدر التريند .
في السنوات الأخيرة، بات واضحًا أن هناك متخصصين في "صناعة التريند". بعضهم يعمل في شركات علاقات عامة، وبعضهم يدير صفحات شهيرة على منصات التواصل، وآخرون لهم ارتباطات بمؤسسات رسمية أو خاصة. هؤلاء يعرفون جيدًا ماذا يفعلون، يصورون، ويحررون الفيديوهات بعناية، ويختارون العنوان المؤثر، يدفعون بالمحتوى إلى "الصفحات الكبرى"، ثم تشتعل مواقع التواصل.واقعة طفلة الشيبسي تذكرنا بأننا شعب يحب الخير ويتأثر بالمشاهد الإنسانية، ولكنها تفضح أيضًا هشاشتنا أمام المحتوى العاطفي، وتكشف كيف يمكن لأبسط موقف أن يتحول إلى "ظاهرة وطنية" إذا توافرت له أدوات النشر والدفع الإلكتروني.