«يا خبر»
وثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين حالات أكثر من 240 صحفياً فلسطينياً لقوا حتفهم بنيران إسرائيلية فى قطاع غزة منذ اندلاع الحرب فى السابع من أكتوبر 2023.. الواضح للعالم الآن أن إسرائيل تشن حرباً مفتوحة على الإعلام الحر، بهدف إرهاب الصحفيين ومنعهم من أداء واجبهم المهنى فى كشف جرائمها للعالم، حيث تتعامل إسرائيل مع الصحافة كخطر استراتيجى يجب القضاء عليه، فى محاولة فاشلة لقتل الحقيقة.
حاولت إسرائيل أكثر من مرة شيطنة الصحفيين ووصمهم بالتحريض، بل وتسعى دائما إلى تجريم العمل الصحفى الفلسطينى برمته، لأنها تدرك أن الكاميرا قد تكون بندقية أخرى تصوب نحو جرائمها فتشكل خطرا استراتيجيا، وبناء عليه تتصرف بانتقام وتمارس بحق الصحفيين كل صنوف التصفية بما فيها الاعتقال والاغتيال.
وجه الاستغراب فى رأيى أن الدول الكبرى التى لطالما صدعتنا بمحاضرات حول حرية الصحافة، والحق فى التعبير، وما إلى غير ذلك من شعارات هى نفسها التى تقف صامتة وهى ترى الاحتلال الإسرائيلى يعادى كل أصوات الضمير الإنسانى، ويسعى لإخفاء الحقيقة عبر قتل الصحفيين بشكل متعمد وبدم بارد، لدرجة استهداف مقرات وخيام مجموعات بعينها من الصحفيين الذين كان لهم دور وجهد كبير جدا فى نقل الحقيقة وكشف الصورة التى لا يريد الاحتلال أن يراها العالم فى غزة.
الدول التى كانت ولا تزال تدعم مخططات الفوضى فى مناطق مختلفة من العالم تحت شعارات «افسحوا مساحة لحرية التعبير» واتركوا الناس تعارض وتقول رأيها، هى نفسها من أصابها «الخرس»، كلما سمع العالم بمقتل خمس أو ستة صحفيين بعينهم دفعة واحدة فى غزة.
الدول التى كانت تدعم مجموعات من الإرهابيين ممن ثبت توثيق جرائمهم بالصوت والصورة فى بلادنا والتى لا تصفهم بالإرهابيين بل تسميهم معارضة وفى قول آخر «متمردين» وتنتظر أن يقوض هؤلاء الإرهابيين أنظمة بلادهم وتدعمهم ماديا وإعلاميا، هى نفسها التى تشارك نتنياهو قتل الحقيقة فى غزة باستهداف الصحفيين.
الدول التى تضع القوائم والتصنيفات والمقاييس والمؤشرات وتقول هذا البلد يعادى الحرية والصحافة وهذا البلد لا يعاديها، هى نفسها التى لم تدرج إسرائيل ضمن أى تصنيف أو قائمة سوداء من قوائمها الطويلة العريضة التى تدرج فيها من تسميهم أعداء حرية التعبير ومضطهدى الصحافة والصحفيين!!
الوقائع الأخيرة التى هدف بها الاحتلال التغطية على جرائمه باغتيال مجموعة من الصحفيين، منهم مصور قناة الجزيرة محمد سلامة، والمصور حسام المصرى، والصحفية مريم أبودقة, ومن قبل ذلك اغتيال أنس الشريف، ومحمد قريقع، وقبلهم جميعا شيرين أبو عاقلة، كشفت أكثر من أى وقت مضى جرائم الاحتلال على كافة المستويات.
إن الصمت الدولى على اغتيال الصحفيين والاستهداف المنهجى لهم، دليل صارخ على النفاق العالمى وازدواجية المعايير التى تتعامل بها الدول التى توصف نفسها حامية للديمقراطية وحرية التعبير وتنصب نفسها شرطى العالم فى هذا الشأن، والأكثر غرابة فى رأيى أن هذه الدول نفسها مع الوقت تكشف عن تواطؤها أو فى أبسط الأحوال تخاذلها تجاه الحقيقة وتعود لتعترف فى الوقت الضائع ولكن بلا فائدة، فمثلا جاءت اعترافات المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، حول سلوك حكومة الاحتلال، لتؤكد على فشل هذه الحكومة فى استمرار ترويج الرواية المضللة لها، «ميلر» كان مسئولا رفيعا فى إدارة بايدن ويدافع عن رواية الاحتلال من خلال موقعه الرسمى، ويعلم تماما كذب هذه الرواية وبعدها عن الصحة، وها هو اليوم يعترف بذلك ويقر بتواطؤ الإدارة الأمريكية مع كذب الدعاية الإسرائيلية.
إن تصريحات «ميلر» تشير إلى فشل الغطاء الذى تقدمه الدول الكبرى للسردية الإسرائيلية للتبرير الاحتلال فى غزة وتؤكد التوصيف الدقيق لها بأنها جرائم حرب، وهذا يزيد من الغضب العالمى، ويضع الاحتلال فى وضع أصعب.
فى سياق متصل جاء إعلان الأمم المتحدة المجاعة فى غزة بشكل رسمى، -وإن كان متأخرا- ليثبت أن المجاعة فى غزة متعمدة وهى نتيجة لحظر الاحتلال الإسرائيلى دخول الغذاء والمواد الأساسية، هو ضربة أخرى لسردية الاحتلال وجرس إنذار آخر يستوجب خطوات عملية من كل الأطراف الدولية والإقليمية، من أجل الحقيقة وعدم السكوت عن الوضع الحالى، ولهذا سارعت دولة الاحتلال إلى مهاجمة التقرير الأممى، وتقرير التصنيف المرحلى للأمن الغذائى واعتبرتهما «أكاذيب حماس»، ووصفت تقرير منظمة الصحة العالمية بأنه مفبرك ومصمم لملاءمة حملات حماس.
على صعيد الحقيقة المجردة والبعيدة عن النفاق الدولى والانحياز الأعمى لمخططات الاحتلال فى غزة فالحقيقة مهما طال بها الزمن أو قصر لابد لها يوما أن تنكشف، والآن قد فشل الاحتلال وداعموه فى إخفاء جرائمه وانهارت سرديته وانكشفت صورته الحقيقية، ولم ينجح الصمت الدولى فى التغطية على جرائمه سواء كانت جرائمه بحق الصحافة والصحفيين.
المشهد القادم فى رأيى لابد أن يكون تضامن كل صحفيى العالم مع زملائهم فى غزة، من أجل الحقيقة وكشف أوسع للاحتلال عالميا حتى لا يفلت من العقاب، ولا بد من ردود فعل تعمق عزلة هذا الاحتلال البغيض.