مجدى صابر: الفن مسئولية.. و«أفراح إبليس» كشف خبايا الإرهاب
«السوشيال ميديا» صنعت نجوماً وهميين وأسقطت عمالقة
الإخوان فكرة لا تموت.. والدراما أقدر على فضحهم
التكريم رسالة تقول لى «أحسنت».. وهدفى دراما نظيفة
«حارة المحروسة» غيّر مسار حياتى.. وكنت أكتب روايات قبل الدراما
قدمت وجوهاً جديدة صارت من كبار النجوم الآن
«الرجل الآخر» أقرب أعمالى لقلبى.. وكلمة أسامة أنور عكاشة أنقذتنى من التوقف
أكتب عن ذوى الهمم.. وأحلم بعمل عن سميرة موسى
منذ ظهوره على الساحة الدرامية، رسّخ الكاتب الكبير مجدى صابر مكانته كواحد من أهم وأبرز كتّاب الدراما فى مصر والعالم العربى. لم يكن مجرد مؤلف يقدم حكايات عابرة، بل صاحب رسالة واضحة فى أعماله الفنية، رسخ من خلالها قيمة الدراما كنافذة تعكس الواقع المصرى بجرأة ووعى.
قدّم صابر مجموعة من أنجح الأعمال التى علقت فى وجدان الجمهور، بدءاً من الرجل الآخر الذى كان علامة فارقة فى الدراما المصرية، مروراً بـ العدالة وجوه كثيرة، والعائلة والناس، وصولاً إلى الملحمة الشهيرة «سلسال الدم» بأجزائه المختلفة، ثم عائلة الحاج نعمان، وليلة السقوط وغيرها من الأعمال التى لم تكتف بسرد قصص إنسانية بل تعمقت فى قضايا المجتمع المصرى وتحولاته.

واليوم، يواصل الكاتب الكبير مسيرته المضيئة بعمل جديد يثير الكثير من الجدل والاهتمام، وهو الجزء الثالث من مسلسل أفراح إبليس، الذى يكشف أسراراً جديدة حول الجماعات الإسلامية وطرق تهريب الأسلحة عبر الحدود مع ليبيا والسودان، متناولاً مراحل مختلفة من الإرهاب برؤية درامية جريئة.
حول هذه المسيرة الغنية، ورسالته فى الكتابة، وكيف يرى التحولات التى طرأت على الدراما المصرية بين الماضى والحاضر، كان لـ«الوفد».. هذا الحوار مع الكاتب الكبير مجدى صابر...
< كيف ترى عرض مسلسل "أفراح إبليس" بعد تأخير استمر ثلاث سنوات؟
- كنت قلقًا فى البداية، لأن المسلسل انتهى تصويره منذ أربع سنوات، وكنت أنتظر عرضه بفارغ الصبر. وتزايد قلقى أكثر بعد وفاة اثنين من أهم أبطال العمل؛ الفنان محمود الجندى والفنان أحمد حلاوة، وهما كانا مؤثرين جدًا فى الأحداث. لكن بمجرد عرض المسلسل وجدت ردود فعل قوية من الجمهور، لأن الحدوتة جذبت المشاهدين، والدراما فيه ساخنة ومتتابعة وفيها أحداث كثيرة وقضايا لم تُطرح من قبل فى الدراما المصرية.

< أحداث المسلسل تدور بعد ثورة يناير.. إلى أى فترة زمنية ركز الجزء الثالث من العمل؟
- أحداث الجزء الثالث تدور بعد ثورة يناير، فى وقت الانفلات الأمنى، حيث كان هناك تهريب سلاح عبر الحدود يصل جزء منه إلى سيناء لبعض المتطرفين الذين اتخذوا منها مقرًا لإدارة عملياتهم الإرهابية. هؤلاء كانوا يتبعون حماس، وجاء بعضهم عبر الأنفاق من غزة إلى سيناء، كما اقتحموا السجون وهرّبوا زملاءهم.
تلك الفترة لم تتناولها الدراما بشكل كافٍ، والعمل ركز عليها، وعلى قضية الإرهاب وتهريب السلاح من حدود ليبيا والسودان. لكن الجيش المصرى تمكن لاحقًا من ضبط الحدود ووقف عمليات التهريب، وتمت مداهمة أوكار الإرهابيين فى سيناء، وهُدمت كثير من الشبكات، ما أدى إلى تأمين المنطقة بشكل كبير.

< وكيف تناولت تمدد جماعة الإخوان الإرهابية داخل الأحداث؟
- المسلسل يناقش قضية الإخوان ومحاولاتهم للتمكين فى مصر، ويظهر ذلك بوضوح فى خط الفنان كمال أبو رية والفنانة منى عبدالغنى، حيث يقدمان فكرة وصول بعض ممثلى إحدى الدول العربية إلى الصعيد بمهمة نشر الفكر السلفى المتطرف الذى يميل للإرهاب. هؤلاء بدأوا باستقطاب أعوان من خلال أنشطة ظاهرها خيرى مثل افتتاح مستوصفات أو إعطاء دروس خاصة، مع تقديم مساعدات شهرية ومرتبات للشباب والطلاب فى الجامعات. هذه كانت خطوة لاستقطابهم للفكر الجهادى.
المسلسل يجمع الخيوط بين ما يحدث فى الصعيد وما يجرى فى سيناء، ليكشف آليات التمدد والتغلغل الإرهابى على أكثر من محور.

< برأيك.. ما دور الفن فى توثيق الأحداث المهمة؟
- عرض المسلسل الآن يُعد توثيقًا لأحداث جرت فى فترة زمنية حرجة، بغض النظر عن توقيت عرضه. فهو يسلط الضوء على تهريب السلاح من ليبيا إلى واحات سيوة، ووجود مخازن وأوكار لهذا السلاح، وعصابات كاملة مهمتها التهريب. بالتالى المسلسل يقدم «خريطة» دقيقة عن هذه الفترة، بمعلومات لم تُطرح على الدراما من قبل.
< ما المصادر التى استعنت بها لكتابة هذه الأحداث؟
- استعنت بعدد كبير من المراجع التى تناولت هذه الوقائع، إلى جانب الأخبار التى تابعتها فى قنوات إخبارية ومواقع إلكترونية. وجمعت كمًا ضخمًا من البيانات بمجهود شخصى، لم تكن هناك أفلام وثائقية متاحة، لكننى بنيت عليها دراما الجزء الثانى.
< هل تعتمد دائمًا على المصادر الإخبارية فى أعمالك؟
- لا أستطيع القول إنها مدرسة ثابتة، لكن كل عمل يفرض طريقته فى التناول. مثلًا، فى «سلسال الدم» الجزءين الرابع والخامس كان هناك توثيق مباشر لاستيلاء الإخوان على السلطة. بينما فى «أفراح إبليس» الموضوع احتاج لتوثيق درامى، بعيدًا عن الشكل الوثائقى، لأن الدراما فى النهاية ليست فيلمًا وثائقيًا، لكنها قادرة على تقديم القضايا بطريقتها الخاصة.
< فى رأيك هل ما زالت هذه الجماعة موجودة؟
- الإخوان موجودون ولن ينتهوا، لأنهم فى الأساس فكرة، والفكرة لا تموت إلا بفكر مضاد. والدليل أنهم موجودون منذ 1928 وحتى الآن، رغم الحملات الأمنية المتكررة. صحيح أنهم مرّوا بجمود، لكن فى أى لحظة يمكن أن يظهروا من جديد.
هم دائمًا يجيدون إخفاء أهدافهم وتجميلها، لكن جوهرهم واحد: السعى إلى السيطرة والحكم مهما كان الثمن، حتى لو كان على حساب دماء الأبرياء. هذا ما ظهر فى أحداث رابعة وحرق الكنائس وتفجيرها، حين رفض الشعب حكمهم وأسقطهم، فواجهوا الناس بالعنف والإرهاب. هذه وسيلتهم الدائمة، كما فعلوا فى «حريق القاهرة»، ودائمًا ما ينتظرون الفرصة المناسبة للسيطرة.
< قدمت أعمالًا كثيرة عن التطرف والإرهاب مثل "ليلة السقوط"، "سلسال الدم"، و"أفراح إبليس".. كيف ترى أهمية فضح هذه الجماعات؟
- كل عمل له زاوية مختلفة: "ليلة السقوط" تناول فكر داعش واحتلال الموصل وكيف تم طردهم منها. "سلسال الدم" عرض الإسلام السياسى الذى ظهر بوضوح بعد سقوط نظام مبارك، وكيف حاول أن يفرض نفسه لكن الشعب لم يسمح له بالبقاء أكثر من عام. أما أفراح إبليس فهو يناقش الإسلام السياسى بشكل مختلف، كاشفًا أساليبه فى غسل العقول والتغلغل فى المجتمع.
< حالياً يُعرض لك ثلاثة مسلسلات فى وقت واحد: «للعدالة وجوه كثيرة» على ماسبيرو زمان، و«حارة المحروسة»، و«الرجل الآخر»، كما سيُعرض مسلسل «عائلة الحاج نعمان» على MBC خلال الشهر المقبل.. كيف تشعر بوجود هذه الأعمال كلها على الشاشة فى نفس التوقيت؟
- بالطبع أشعر بسعادة كبيرة، لأن كل عمل قدمته يحمل جزءًا من روحى وتركيزى وفنى. فمثلاً مسلسل "حارة المحروسة" له مكانة خاصة عندى، لأنه أول مسلسل كتبته منذ 30 عاماً عن رواية لى بنفس الاسم. فى البداية لم أكن أمارس مهنة كتابة السيناريو، لكن المنتج الكبير إبراهيم شوقى قرأ الرواية وأعجب بها وطلب منى تحويلها لمسلسل. أعجبتنى الفكرة، وبدأت أتعلم كيف أكتب سيناريو، وبالفعل حولت خمس روايات من تأليفى لخمسة مسلسلات أنتجها إبراهيم شوقى.
وعندما قرأ المخرج الكبير مجدى أبوعميرة نص حارة المحروسة اتصل بى وأبدى إعجابه الشديد بالعمل، وكان ذلك مفاجأة سعيدة، لأنه وقتها كان من كبار المخرجين. وبالفعل أخرج أول أعمالى، وحقق المسلسل نجاحاً ضخماً تخطى توقعاتى، خاصة فى غياب القنوات الفضائية وقتها. حتى أن المسلسل بيع لكل المحطات العربية، ووصل للجمهور فى صورة شرائط فيديو. نجاح المسلسل غير مسار حياتى، إذ كنت أكتب الروايات والسلاسل الأدبية للناشئة والكبار، لكن بعد النجاح الكبير توقفت عن كتابة الروايات لأتفرغ للدراما. اليوم أشعر بالإنجاز وأنا أرى أكثر من عمل لى يُعرض فى وقت واحد، لأن كل عمل يمثل جزءاً من عمرى.
< فى مسلسل «العائلة والناس» قدمت قضايا اجتماعية شائكة.. كيف تنظر لهذه التجربة؟
- كل أعمالى بمثابة تشريح للمجتمع المصرى، خصوصاً فى فترة نهاية التسعينيات. العائلة والناس مثلاً كشف عن قضايا ساخنة مثل سيطرة رجال الأعمال على السلطة والإعلام، وانتشار الفساد، وكل ذلك كان ينعكس على حياة الناس البسطاء.
أتذكر موقفاً مع الفنان الكبير كمال الشناوى أثناء التصوير، كان قد كسر يده فى أحد المشاهد لكنه لم يوقف العمل. كان يربط يده بالشاش، وما إن يبدأ التصوير حتى يفك الرباط ويكمل المشهد بحرفية والتزام مذهلين، رغم أنه كان فى الخامسة والسبعين من عمره.
< دائماً تقدم وجوهاً جديدة فى أعمالك، وكنت سبباً فى ظهور كثير من النجوم الحاليين.. لماذا تحرص على ذلك؟
- بالتأكيد، لأننى أكتب دراما من الحياة، فيها أجيال مختلفة: آباء وأبناء وأحفاد. لذلك أتعمد دائماً تقديم وجوه جديدة. على سبيل المثال: دنيا سمير غانم وأحمد زاهر قدما أول أدوارهما فى "العدالة وجوه كثيرة". منة شلبى ومى عز الدين ظهرتا فى "أين قلبى". أما "الرجل الآخر" فظهر فيه أحمد زاهر، وحلا شيحة، وأحمد رزق، ورامز جلال. وفى "العائلة والناس" قدمت خالد سرحان، ريهام عبدالغفور، وغادة عبدالرازق.
< بعد كل هذه السنوات.. كيف ترى الاختلاف بين الماضى والحاضر فى صناعة الدراما؟
- «السوشيال ميديا» قلبت الموازين، فهى تصنع نجوماً بين يوم وليلة. هناك من يكتفى بأرباحه منها دون جهد حقيقى، وهناك من تُسوَّق أعماله وكأنها رائعة وهو فى الحقيقة ضعيف المستوى، فقط لأن الدعاية عبر المنصات تفرض هذا الانطباع. فى المقابل، قد تُسقط السوشيال ميديا فناناً كبيراً بجملة أو حملة ممنهجة.
الأمر وصل إلى حد أن بعض الأشخاص يظهرون على «تيك توك» ويجنون ملايين الجنيهات، قبل أن يُكشف أن بعضها عمليات غسيل أموال. أتمنى أن يكون هناك تحجيم لهذه الظاهرة.
< قدمت العديد من الأعمال المهمة.. أيها الأقرب إلى قلبك؟
- أعتبر مسلسل الرجل الآخر هو الأقرب لقلبى، لأن نور الشريف، رحمه الله، كان حريصاً على العمل إلى درجة التواضع الشديد. تعلمت منه الكثير، وأحببته على المستوى الفنى والإنسانى. أيضاً كان أول مسلسل يُعرض لى فى رمضان على شاشة التليفزيون المصرى، بعد خمسة أعمال كلها كانت إنتاجاً خاصاً عُرضت فى قنوات فضائية عربية. نجاحه كان أسطورياً، والجمهور كان ينتظره بشغف.
أتذكر وقتها أن صفوت الشريف، وزير الإعلام حينها، اتصل بعبدالرحمن حافظ ليسأله: «هل مختار العزيزى حيطلع هو ولا لا؟». بالنسبة لكثيرين كنت اسماً جديداً ظهر فجأة على شاشة رمضان، وحقق نجاحاً غير مسبوق. لكن بعض الأقلام الصحفية شنت عليَّ هجوماً قاسياً، حتى أننى فكرت فى التوقف عن كتابة الدراما. من أعادنى كان الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، الذى اتصل بى وقال: «أنا ياما اتشتمت.. دول فشلة وحاقدين، ولو كانوا ناجحين ما كانوا هاجموك». كلماته أعطتنى دفعة كبيرة للاستمرار.
ولحسن الحظ، كنت وقتها متعاقداً على "العدالة وجوه كثيرة"، و"أصور العائلة والناس"، والعمَلان حققا نجاحاً كبيراً أيضاً، وهو ما غيّر مسار تجربتى تماماً. أتذكر أن الرجل الآخر حصل على الجائزة الذهبية فى مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون، وكل فريق العمل نال جوائز إلا أنا. سألت وقتها أحد الأصدقاء فقال: «أنت لسه جديد.. اصبر شوية». وبعدها بسنوات حصلت على ذهبية أفضل مؤلف عن العدالة وجوه كثيرة وأين قلبى.
< تم تكريمك عن العديد من أعمالك.. ماذا يمثل لك التكريم؟
- التكريمات والجوائز بالنسبة لى رسالة تقول: «أحسنت». هى نوع من التشجيع المعنوى، تجعلنى أشعر أن تعبى لم يذهب هباءً، وأن الناس قدّرت الكلمة التى كتبتها. أنا أعتبر الكلمة أمانة وربنا سيحاسبنى عليها، لذلك أكتب دائماً للناس، وليس بمطلق الحرية. لن تجد فى أعمالى لفظاً خارجاً، أو خيانة زوجية، أو مشاهد مخدرات. عندى قاموس أخلاقى واضح، فأنا أب لبنات، وما لا أقبله أن يرينه، لا أضعه على الشاشة. الدراما يشاهدها مئات الملايين، وأريد أن تكون الكلمة التى أقدمها إيجابية ومفيدة، لا سلبية أو مضرة.
< كيف ترى لقاء نقيب الممثلين بمفتى الجمهورية؟ وهل يحتاج المبدع إلى وصاية؟
- الكتابة مسئولية كبيرة، والمبدع لا يحتاج لوصاية لا كنسية ولا أزهرية، بل يحتاج فقط أن يعمل ضميره المهنى. هذا هو منهجى منذ البداية. لم يملِ عليَّ أحد من قبل ما يجب أن أكتب أو ما يجب أن أمنع، لكننى كنت واعياً لتأثير الكلمة على المتلقى. لم أقدم مشهداً للبلطجة أو الابتذال أو الانحراف، لأننى أعلم أن هناك من قد يقلده فى الشارع.
اليوم تتم محاربة التدخين على الشاشة، لكن فى "العدالة وجوه كثيرة" عام 2000، وضعت فى مشهد مقهى لافتة تقول: «ممنوع تدخين الشيشة». لم يطلب منى وزير أو جهة رسمية ذلك، بل كان بدافع قناعتى الشخصية أن أوصل رسالة إيجابية للمشاهد.
< تعودنا أن تقدم عملاً فنياً جديداً كل عام.. ما الجديد لديك حالياً؟
- أعمل على مسلسل عن ذوى الهمم، بطله شاب يقود رحلة كفاح عظيمة، حتى يصبح أيقونة فى المجتمع، ويثبت أن هذه الفئة قادرة على النجاح والتميز رغم كل الصعوبات، خصوصاً مع دعم الدولة لهم. أتمنى أن يرى هذا العمل النور، لأنه سيكون مؤثراً جداً.
أيضاً لدى مشروع مسلسل عن العالمة المصرية الكبيرة سميرة موسى، رائدة الفيزياء النووية فى الأربعينيات، التى تنبأ لها أساتذتها بأن تكون بمقام آينشتاين. قصتها ملهمة جداً، فقد اغتيلت قبل قيام دولة إسرائيل، فى وقت كانت فيه أذرع المخابرات الصهيونية تنفذ اغتيالات فى المنطقة. المسلسل لن يكون فقط عن سيرتها، بل عن العصر كله، مثلما فعلت من قبل فى مسلسل ليلى مراد. لكن كتابة السيرة الذاتية عمل مرهق للغاية، لأنها تحتاج إلى توثيق وتفاصيل دقيقة.