أسعار "حلاوة المولد" تشعل غضب المواطنين بأسيوط.. عرائس بـ300 جنيه والكيلو نار!

أشعلت أسعار "حلاوة المولد" هذا العام فتيل الغضب في شوارع محافظة أسيوط، بعدما تحوّلت فرحة المولد النبوي الشريف من طقس شعبي إلى معركة اقتصادية شرسة بين المواطن والدخل المحدود، وبين تجار لا يعرفون سوى لغة الأرباح.
كيف قفزت قشطة المولد إلى 200 جنيه للكيلو؟ ولماذا أصبحت عروسة الحلاوة تساوي ربع مرتب موظف حكومي؟ وفي أي اتجاه تسير عاداتنا القديمة حين يصبح الاحتفال بالمولد رفاهية لا يقدر عليها إلا المقتدرون؟
بوابة "الوفد" الإخبارية تكشف كواليس سوق مشتعل، وآراء متباينة، وخبايا لا يعرفها الكثيرون عن حلاوة تحوّلت من رمز للفرح إلى مرارة لا تُبلع.

"حلاوة المولد" في أسيوط .. فرحة تقفز فوق نار الأسعار
أكد المواطن أحمد فوزي من مركز القوصية أن أسعار حلاوة المولد هذا العام وصلت إلى مستويات "غير منطقية"، موضحًا أن علبة متوسطة الحجم تكلفته 450 جنيهًا رغم أنها كانت لا تتجاوز 200 جنيه في السنوات الماضية.
وشدد على أن "قشطة المولد" بـ200 جنيه للكيلو لم تعد خيارًا شعبيًا بل رفاهية، معتبرًا أن فرحة الأطفال بالعروسة لا يجب أن تُقابل بعجز الأهل عن الشراء.
وأوضح المواطن هشام فرغلي من مدينة أسيوط أن أبرز ما لفت انتباهه هو وصول سعر العروسة الواحدة إلى 300 جنيه، مضيفًا أن الأسعار الحالية تفرض على الأسرة إما التخلي عن العادة أو اللجوء إلى الحلويات المحلية غير المعروفة الجودة، وأكد أن علبة المولد أصبحت مكلفة أكثر من ثمن ملابس العيد.

بائعون يدافعون والمواطنون يشتكون
أشار البائع حسن الهواري، أحد بائعي الحلويات بسوق الحمراء، إلى أن الأسعار هذا العام "ليست مرتفعة بالمقارنة بتكاليف الإنتاج"، موضحًا أن المواد الخام مثل السمسم والفول السوداني والسكر ارتفعت بشكل غير مسبوق.
وقال إن قشطة المولد 200 جنيه للكيلو "بسعر الجملة"، و"الفولية والسمسمية" 130 جنيهًا للكيلو يعتبر "أرحم من محلات الماركات الكبيرة".
قال البائع مصطفى ربيع من مركز منفلوط إنهم بدأوا عرض علب حلاوة المولد قبل أسبوع من بداية شهر ربيع الأول، مع توفير تشكيلات متعددة تشمل علب اقتصادية تبدأ من 120 جنيهًا وتصل إلى 900 جنيه للفاخرة.
وأكد أن العروسة البلاستيك خيار أفضل للأهالي غير القادرين على شراء العرائس الحلاوة، مشيرًا إلى أن "الموسم بييجي مرة في السنة ولازم نفرح الناس".

خبراء الاقتصاد: تسعير عشوائي واستغلال موسمي
أوضح الخبير الاقتصادي خالد منصور أن ما يحدث في سوق حلاوة المولد هو نتيجة مباشرة لانعدام الرقابة الحكومية، مشيرًا إلى أن هناك تسعيرًا عشوائيًا واستغلالًا موسميًا واضحًا، وقال إن ارتفاع أسعار الحلويات ليس مبررًا بالكامل بزيادة الخامات، بل يرجع أيضًا لغياب التسعيرة الاسترشادية.
وقال الدكتور علي القاضي أستاذ الاقتصاد إن السوق يخضع بالكامل لآليات العرض والطلب، ولكن الأزمة تكمن في أن الاحتفال بالمولد له طبيعة ثقافية خاصة، مما يجعل الأسر مضطرة للشراء ولو بالقسط أو الدين، وأضاف أن حلاوة المولد تحولت من طقس شعبي إلى منتج "للطبقة القادرة فقط".

مواطنون يرفضون الغلاء: "أطفالنا أولى"
أكد المواطن طارق عبدالحليم أن أسرته قررت هذا العام مقاطعة شراء الحلوى نهائيًا، مفضلًا شراء فواكه أو شوكولاتة بسيطة لأطفاله بدلًا من “المبالغة في أسعار لا تليق بفرحة المولد”، مشيرا إلى أن هناك من يحول المناسبة الدينية إلى استنزاف مالي غير مبرر.
قال المواطن رمضان كمال من ديروط إنه قرر إعداد بعض الحلويات في المنزل مثل "الملبن والسمسمية"، موضحًا أن تكلفتها لا تتعدى نصف سعر السوق؛ وشدد على أن العودة للتقاليد القديمة أفضل من الوقوع في فخ التجار.
لفت المواطن سامي زكريا إلى أن الأسعار الحالية لا تعبر عن مستوى دخل المواطن البسيط، مؤكدًا أن العادات الشعبية في أسيوط مثل توزيع الحلاوة على الجيران والأطفال باتت صعبة المنال، مما يهدد بانقراض تلك الطقوس الاجتماعية المهمة.

مهتمون بالشأن الشعبي: ثقافتنا في خطر
نوه الباحث في التراث الشعبي محمد خليل بأن ارتفاع أسعار الحلوى يهدد بتآكل إحدى أقدم عادات الاحتفال بالمولد النبوي في صعيد مصر، موضحًا أن "العرائس الحلاوة" تمثل رمزية ثقافية قبل أن تكون منتجًا استهلاكيًا؛ وأضاف أن الأسعار المرتفعة تحرم الأطفال من فهم معنى المشاركة في المناسبة.
استنكر المهتم بالشأن الاجتماعي إيهاب طنطاوي هذا الجشع الموسمي، مؤكدًا أن فرحة المولد يجب ألا تتحول إلى عبء نفسي على أولياء الأمور.
وقال إن أحد أولاده بكى لأنه لم يحصل على عروسة مثل زملائه، مشددًا على أن التجار يزرعون في الأطفال مفهوم "العيد لمن يملك المال فقط".

آراء من الشارع الأسيوطي
أضاف المواطن أشرف توفيق أن الأسعار خادعة، فبائعو الحلوى يعرضون أنواعًا اقتصادية بأسعار مغرية لكن الجودة منخفضة جدًا، وبعضها لا يصلح للاستهلاك الآدمي؛ واعتبر أن الحل في تدخل حكومي لفرض رقابة صحية وتسعيرية.
أجاب المواطن مدحت عبدالمجيد من مركز البداري بأن أسرته تكتفي بشراء ملبن سادة بـ80 جنيهًا فقط، مشيرًا إلى أن الأطفال لا يميزون كثيرًا بين الأصناف، والفرحة تأتي من التجمع لا من الغلاء.
أردف المواطن حسين جلال أنه لاحظ تفاوتًا كبيرًا في الأسعار من منطقة لأخرى، حيث تُباع الشكلمة بـ200 جنيه في الأسواق الكبرى، بينما تُباع بـ120 جنيهًا فقط في القرى المجاورة؛ وقال إن السوق يعاني من فوضى وتلاعب.
استدرك المواطن محمد بيومي أن بعض المحال تستغل الزينة والأضواء لجذب الزبائن، ثم تقدم أسعارًا مرتفعة دون رقابة؛ وأشار إلى أن الأسر الفقيرة في قرى أبنوب لم تعد تجد في المولد سوى الحنين للذكريات.
زعم المواطن سيف مرسي أن الحلويات المستوردة بدأت تغزو السوق وتنافس الحلويات التقليدية، ما تسبب في غلاء الأصناف المحلية أيضًا؛ وأكد أن تلك المنافسة ليست في صالح الفقير.
استرسل المواطن عبدالله رفاعي في القول إن ما يحدث "تشويه لبهجة المولد"، مطالبًا بعودة دور الجمعيات الأهلية في توزيع حلاوة مجانية أو بأسعار رمزية للأطفال والأيتام.

دعوة للرقابة وإعادة تنظيم السوق
أعلن المسؤول المحلي رأفت ياسين أن المحافظة تتابع الأسواق وتحرر مخالفات ضد الغش التجاري ورفع الأسعار المبالغ فيه؛ وأكد أن هناك لجان مرور دورية لضبط الأسعار، لكن جهود الرقابة وحدها لا تكفي دون تعاون من البائعين.
بين نار الأسعار وحنين الطقوس .. فرحة المولد في مهب الريح
بين فرحة الأطفال وعبء الغلاء، يقف المواطن في أسيوط أمام اختبار صعب؛ حلاوة المولد النبوي التي كانت رمزًا للبهجة الشعبية، باتت اليوم عنوانًا للفجوة بين الحنين والواقع.
وبين لهفة الأطفال لعروسة المولد، وحسرة الأسر على زمن كانت فيه الحلوى في متناول الجميع، تظل الحقيقة المرة أن فرحة المولد النبوي الشريف في أسيوط باتت حكرًا على القادرين؛ الأسعار تشتعل، والرقابة تغفو، والتجار يرقصون على جمر المناسبة الدينية، دون اعتبار لقدسية الذكرى أو معاناة المواطن.
فهل تبقى "حلاوة المولد" حلوة كما كانت؟ أم أن ارتفاع الأسعار سيطفئ شمعة الفرح في قلوب البسطاء؟ المؤكد أن العادات الشعبية باتت على حافة الانقراض، ما لم تتدخل الدولة، ويعلو صوت الوعي على ضجيج الجشع؛ فالمولد النبوي ليس موسم بيع .. بل مناسبة حبّ.