رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

مراجعات

في زمنٍ كثرت فيه الأحكام، وندر فيه العدل المقرون بالرحمة، سطع نجم رجلٍ لم يكن مجرد قاضٍ يجلس على مِنَصَّة عالية بين جدران محكمة، بل كان حليمًا رحيمًا، وإنسانًا نقيًّا في زمنٍ تغشاه القسوة.
رجل أحبَّه الناس على اختلاف مشاربهم، لا يشتركون معه في جنسية، أو في لغة، ولا حتى في الدين، لكنهم اجتمعوا على محبته واحترامه، إذ لم يكن قاضيًا بالمعنى البيروقراطي الجاف، بل كان مرآةً صادقةً للإنسان حين يرتدي رداء العدل.
كان حُكمهُ ينفُذ في قلوب الناس قبل أن يُنطق في أروقة المحكمة، ولم يكن يُصدر حكمًا فقط، بل كان يَروي قصة، ويستمع إلى أخرى، ويترك المجال للإنسان أن يكون إنسانًا، لا مجرد رقم في سجل المخالفات، ولا متهمًا ينتظر صوت المطرقة.
من خلف مِنَصَّته الشهيرة، حوَّل القاضي الأمريكي الراحل «فرانك كابريو» قاعة المحكمة، إلى حكايات إنسانية، يُذاع منها الرحمة، وتُبثُّ منها قيم التسامح، ويُكتب فيها قانونٌ غير مكتوبٍ: «الرحمة قبل العدالة، والاستماع قبل الحكم»، فلم يكن يسأل المتهم فقط: «ما الذي ارتكبته؟»، بل كان يسأل بصوته الدافئ: «ما الذي مررتَ به؟»... فكان في سؤاله حياة!
إذن، نادرًا ما يجتمع الناس على محبة رجلٍ لا يعرفونه شخصيًّا، ولا تربطهم به مصلحة أو قرابة أو دين أو لغة، لكن «فرانك كابريو» كان حالةً استثنائية فريدة، تجاوزت حدود الجغرافيا، لتحظى بمحبة الناس وتقديرهم.
كانت مقاطع فيديو «كابريو» تُترجم إلى عشرات اللغات، لأن ما كان يقوله يُترجم تلقائيًّا إلى لغة القلوب، فلم يكن يبتسم مجاملة، بل لأن قلبه يعرف كيف يُنصت للألم، ليُعلِّم الأجيال أن القانون يجب أن يكون ملكًا للبشر، لا سوطًا فوق رقابهم.
لا نبالغ القول إنه عندما اُعلن خبر وفاة «فرانك كابريو»، بَكَت شاشات «يوتيوب» حزنًا عليه، لأن الرحمة عنده لم تكن مجرّد موقفٍ طارئ، بل كانت مبدأ يعيش فيه ويعيش به... تُضيء ملامحه حين يستمع، وتنسكب من كلماته حين يحكم. 
كان «فرانك كابريو» يرى في أعين المخالفين حكايات لا يعرفها القانون، ليصبح قلبه أوسع من نصوص العقوبات.. وعندما غاب عن الدنيا، لم ينعِهِ الناس كقاضٍ، بل لإنسانيته المفرطة، التي نفتقدها في زمن الظلم والوحشية. 
ربما كان وداعه في قلوب الناس، شبيهًا بوداع أطفال غزة، الذين يرتَقُون دون ذنب، وتبكيهم الإنسانية بأسرها، فكلاهما ـ «كابريو» و«أطفال فلسطين» ـ وجهان للبراءة.. أحدهما عاش ليُنصف الضعفاء، والآخرون رحلوا لأنهم لم يجدوا ناصرًا ولا مُعينًا!
أخيرًا.. لعل أعظم ما تركه القاضي «فرانك كابريو»، ليس تسجيلًا لمخالفة، ولا قانونًا سنَّه، أو طبَّق روح نصوصه، بل للحظاتٍ إنسانيةٍ خالدةٍ، علَّمتنا أن الرحمة لا تُناقض القانون، بل تُكمله، وأن الإنسان يمكن أن يكون عادلًا دون أن يفقد إنسانيته.

فصل الخطاب:

العدل يرفع الظلم عن الجسد، لكن جبر الخواطر يرفع الألم عن الروح.. فمن لم يُنصفك بحكمه، قد يُنقذك بكلمة.

[email protected]