عاجل
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

ناسا وIBM يطلقان "سوريا".. تلسكوب ذكاء اصطناعي لحماية الأرض من غضب الشمس

بوابة الوفد الإلكترونية

في مايو من العام الماضي، شهدت الأرض أقوى عاصفة جيومغناطيسية تضرب كوكبنا منذ أكثر من عقدين، تلك الظاهرة التي أضاءت السماء بعروض مذهلة من الشفق القطبي، وصلت إلى مناطق غير معتادة في الولايات المتحدة، حتى ولايات الجنوب التي نادرًا ما ترى هذه المشاهد الطبيعية الخلابة.

ورغم أن هذه الظواهر قد تبدو جميلة للعين، فإن تأثيرها في البنية التحتية للطاقة والاتصالات قد يكون مدمرًا. ففي عام 1989 مثلًا، تسبب انبعاث ضخم من البلازما الشمسية في انقطاع الكهرباء عن مقاطعة كيبيك الكندية لمدة تسع ساعات كاملة. لكن هذه المرة، ورغم قوة العاصفة الأخيرة، فإن شركات الطاقة في الولايات المتحدة وكندا تمكنت من الصمود بفضل استعدادات أفضل وتقنيات متطورة لحماية الشبكات.

من الحاجة إلى الحل.. إلى ولادة "سوريا"

هذه الأحداث لفتت الأنظار مجددًا إلى خطورة الطقس الشمسي، وأهمية التنبؤ به بدقة لتجنب الأضرار المحتملة. على مدار العامين الماضيين، تعاونت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) مع شركة IBM العملاقة في مجال التكنولوجيا لتطوير أداة أكثر تقدمًا لرصد الشمس والتنبؤ بنشاطها.

اليوم، أعلنت المؤسستان عن ثمرة هذا التعاون: "سوريا" (Surya)، وهو نموذج ذكاء اصطناعي أساسي مفتوح المصدر صُمم خصيصًا لمراقبة الشمس والتنبؤ بالعواصف الجيومغناطيسية.

يقول خوان بيرنابي مورينو، مدير أبحاث IBM في أوروبا والمملكة المتحدة وأيرلندا:

"يمكن وصف سوريا بأنه أشبه بـ تلسكوب ذكاء اصطناعي للشمس".

اختيار الاسم لم يأتِ صدفة، إذ أن كلمة "سوريا" في اللغة السنسكريتية تعني الشمس.

كيف يعمل "سوريا"؟

اعتمدت IBM في تدريب النموذج على صور عالية الدقة التقطها مرصد ديناميكيات الشمس (SDO) التابع لناسا، والذي يراقب نجمنا منذ عام 2010. جرى تحليل صور تغطي تسع سنوات كاملة من البيانات الشمسية، ليتمكن "سوريا" من التعلم واستخراج أنماط معقدة لا تستطيع العين البشرية أو الخوارزميات التقليدية رصدها.

النتائج المبدئية تبدو واعدة للغاية:

أظهر النموذج دقة أعلى بنسبة 16% في التنبؤ بحدوث التوهجات الشمسية خلال 24 ساعة مقارنة بالأنظمة السابقة.

يتميز بقدرته على إنتاج تنبؤات بصرية لما قد يرصد SDO لاحقًا، أي أنه يتوقع شكل النشاط الشمسي قبل وقوعه.

حتى الآن، استطاع "سوريا" التنبؤ بملامح الشمس قبل ساعتين من حدوثها بدقة عالية.

قد تبدو الساعتان مدة قصيرة، لكن وفقًا لبرنابي مورينو، فهي فترة كافية لإحداث فارق حاسم بالنسبة لشركات الطاقة ومشغلي الأقمار الصناعية، إذ تمنحهم الوقت اللازم لاتخاذ إجراءات وقائية.

خفيف الوزن.. وقابل للاستخدام الواسع

رغم قدراته المتقدمة، فإن "سوريا" ليس نموذجًا ضخمًا يصعب تشغيله. يحتوي على 366 مليون مُعامل فقط، ما يجعله أخف بكثير من النماذج العملاقة مثل GPT أو Gemini. هذا يعني أنه يمكن تشغيله على أجهزة حوسبة أقل قوة، ودمجه بسهولة في أنظمة مراقبة الطاقة والاتصالات وحتى التطبيقات الأكاديمية.

التحديات التمويلية تهدد استمرارية الأبحاث

ورغم أن هذا الإنجاز يعكس قيمة التعاون بين ناسا وIBM، فإنه يأتي في وقت حساس. إذ يواجه برنامج ناسا العلمي تهديدًا كبيرًا بسبب مقترحات الإدارة الأمريكية لخفض ميزانيته بشكل حاد.

وفقًا لتحليل جمعية الكواكب، فإن ميزانية تشغيل مرصد ديناميكيات الشمس نفسه – الذي اعتمدت عليه IBM في بناء "سوريا" – قد تُخفض من 14 مليون دولار سنويًا إلى 8 ملايين فقط. ورغم أن البعثة لن تُلغى تمامًا مثل بعض المشاريع الأخرى، إلا أن هذا التقليص سيؤثر سلبًا على قدرات المراقبة المستمرة للشمس.

الأمر لا يتوقف هنا. إذا استمرت خطط الخفض الحالية، فإن ناسا قد تخسر ما يقرب من 4000 موظف، أي حوالي 20% من قوتها العاملة. وهو ما يضع علامات استفهام حول مستقبل أبحاث الفضاء والطقس الشمسي في الولايات المتحدة.

أصوات مؤيدة ومعارضة

من جانب آخر، رفض عدد من صناع السياسات من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) هذه التخفيضات، معتبرين أنها تهدد أمن البنية التحتية وتضعف مكانة الولايات المتحدة في مجال أبحاث الفضاء. ومع ذلك، لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق نهائي بشأن ميزانية وكالة ناسا التشغيلية لعام 2026، مما يُبقي الوضع غامضًا.

قيمة إضافية تتجاوز حدود ناسا

يؤكد بيرنابي مورينو أن مشروع "سوريا" ما كان ليرى النور لولا خبرة الفريق العلمي في ناسا، حيث ساهم العلماء منذ البداية في تحديد ما يجب أن يفعله النموذج وكيفية التحقق من دقته ومتانته.

لكن الجانب الإيجابي أن هذه التكنولوجيا لا تقتصر على ناسا وحدها، بل يمكن تطبيقها في مجالات متعددة:

شركات الطاقة لحماية الشبكات من الاضطرابات المفاجئة.

مشغلو الأقمار الصناعية لضمان استقرار أنظمة الملاحة والاتصالات.

الأبحاث الأكاديمية لفهم ديناميكيات الشمس بشكل أعمق.

يقول مورينو: "جمال هذا النموذج أنه ليس مجرد مشروع بحثي، بل هو قدرة جديدة – منصة ذكاء اصطناعي يمكن الاستفادة منها في نطاقات واسعة خارج ناسا".

نحو مستقبل أكثر أمانًا

مع اقتراب الشمس من ذروة دورتها الحالية، يتوقع العلماء أن تزداد العواصف الشمسية نشاطًا خلال السنوات المقبلة. وهذا يعني أن أنظمة مثل "سوريا" لن تكون مجرد ترف علمي، بل ضرورة استراتيجية لحماية البنية التحتية الأرضية وضمان استقرار الحياة الرقمية التي نعتمد عليها يوميًا.

ومع أن مستقبل التمويل لناسا يظل غير مؤكد، فإن إطلاق "سوريا" كأداة مفتوحة المصدر يمنح المجتمع العلمي والصناعي فرصة للاستفادة منها وتطويرها، حتى في حال تراجع الدعم الحكومي.