بين المباح والبدعة.. لماذا صار الاحتفال بالمولد النبوي معركة فكرية؟

لم يعد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف مجرد مناسبة دينية يتبادل فيها الناس الحلوى والأناشيد، بل أصبح ساحة سجال فكري وفقهي بين مؤيدين ومعترضين.
وفي خضم هذا الجدل السنوي، خرجت دار الإفتاء المصرية بفتوى حاسمة لتضع النقاط على الحروف: لا حرج شرعي في الاحتفال بالمولد النبوي، والاعتراض عليه غير جائز.
هذه الفتوى لم تكن مجرد رد فقهي، بل كانت بيانًا فكريًا يؤكد أن الإسلام دين فرح وتقدير للرموز، وأن أي تجاوزات أو سلوكيات خاطئة خلال الاحتفالات لا ينبغي أن تُستغل ذريعة للطعن في أصل المناسبة. فكما قالت الدار: "المنكرات سلوكيات عارضة يُنكرها الشرع، لكنها لا تنفي مشروعية الفرح بمولد النبي ﷺ"
المولد بين الهوية والروح
لو تأملنا الأمر بعمق، لوجدنا أن الاحتفال بالمولد ليس فقط ذكرى دينية، بل هو حدث مجتمعي يُعيد تشكيل الذاكرة الجمعية للمسلمين.
فالحلوى التي يتهادى بها الناس، والابتهالات التي تملأ الزوايا، والبهجة التي تكسو البيوت، كلها مظاهر تعكس كيف يتداخل الدين بالثقافة، وكيف يحتفظ الناس بروح الإسلام في حياتهم اليومية.
دار الإفتاء ذهبت أبعد من مجرد الإباحة، فقد أكدت أن الإكثار من الطاعات والقربات في هذا اليوم من أفضل وجوه الشكر، بل وأجازت صيام يوم المولد باعتباره تعبيرًا عن الامتنان لميلاد خير البرية.
وهو استدلال بحديث النبي ﷺ حين كان يصوم يوم الإثنين قائلًا: "ذلك يومٌ وُلدتُ فيه".
ما وراء الفتوى: معركة وعي
اللافت أن الجدل حول المولد النبوي لا يدور حول أصل المناسبة بقدر ما يعكس صراعًا بين تيارين: تيار يقدّس الفرح المشروع ويراه امتدادًا لمحبة النبي ﷺ، وتيار آخر يحاول تضييق دائرة الدين في قوالب جامدة.
فتأتي الفتوى بمثابة إعلان انتصار للوسطية التي تمثلها المؤسسات الدينية الرسمية في مصر.
أبعاد اجتماعية واقتصادية
الاحتفال بالمولد ليس عبادة فقط، بل نشاط اقتصادي ضخم، تبدأ معه حركة الأسواق، من مصانع الحلوى إلى بسطات الباعة الصغار في الشوارع. هذه الأبعاد تجعل المولد حدثًا ينعكس على المجتمع بأسره: يبهج القلوب، وينشّط الأسواق، ويذكّر الأمة برمزها الأول.
الفرح المشروع.. توازن ديني وإنساني
في وقتٍ تُحاصر فيه المجتمعات الإسلامية بخطابات التشدد أو دعوات الانغلاق، تذكّرنا فتوى دار الإفتاء بأن الفرح مشروع، وأن الدين لا يتعارض مع السعادة الإنسانية، بل يعزّزها حين تكون منضبطة بضوابط الشرع.
فالاحتفاء بالنبي ليس بدعة كما يروّج البعض، بل هو امتداد طبيعي للمحبة، ودليل على التقدير لليوم الذي أضاء الكون بقدومه.
الاحتفال بالمولد النبوي لم يعد مجرد مناسبة، بل تحوّل إلى معركة وعي بين من يريدون حبس الدين في قوالب ضيقة، ومن يرونه حياة وروحًا وبهجة.
وبين هذا وذاك، جاءت فتوى دار الإفتاء لتعيد التوازن وتؤكد أن الدين لا يقف ضد الفرح المشروع، بل يباركه ويحثّ عليه.