رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

"سعد" و "النحاس".. فى اﻟﺪراﻣﺎ المصرﻳﺔ

بوابة الوفد الإلكترونية

تمر علينا اليوم ذكرى رحيل اثنين من أعظم رموز النضال الوطنى فى مصر، الزعيم سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس، وهما من أبرز من حملوا لواء الوطنية تحت راية حزب الوفد، ودافعا عن استقلال مصر وحقوق شعبها بكل إخلاص وشجاعة.
سعد زغلول، زعيم الأمة، ولد فى قلب الريف المصرى، لكنه أصبح صوت الشعب وأحد أهم قادة ثورة 1919، التى فتحت الباب نحو الاستقلال. وتميز بالحكمة، والقدرة على الحوار، ونجح فى توحيد المصريين على اختلاف فئاتهم. أما مصطفى النحاس، فقد حمل راية الوفد من بعده، واستمر فى النضال السياسى، وتولى رئاسة الوزراء فى ظروف دقيقة، مدافعاً عن الدستور، والحياة النيابية، وكرامة الوطن.
هذان القائدان لم يكونا فقط سياسيين، بل أصبحا رمزين تاريخيين ألهما أجيالاً، فكان من الطبيعى أن يتناولهما الفن المصرى فى أعمال درامية وسينمائية مميزة، أسهمت فى تقريب مثل هذه الشخصيات من الجمهور، خاصة الأجيال الجديدة التى لم تعاصرها. وقدمت الأعمال الفنية هذين الزعيمين بعمق وإنسانية، وكشفت الجانب الإنسانى والنضالى لديهما فى آن واحد، فبرزا قامتين لهما وزنهما السياسى والتاريخى.
وفى ذكرى رحيلهما، لا يسعنا إلا أن نستحضر مواقفهما، ونستعيد أثرهما، ونحيى ذكراهما ليس فقط بالكلمات، ولكن بتقديمهما للأجيال القادمة من خلال الفن الذى يخلد القيم كما يخلد الأبطال.

 

 

 

 سعد باشا زغلول.. ﻗﺎﺋﺪ اﻷﻣﺔ

تمر اليوم الذكرى الثامنة والتسعون لرحيل الزعيم الوطنى الكبير سعد باشا زغلول، الذى ولد عام 1859، ورحل عن عالمنا فى 23 أغسطس عام 1927، بعد أن ترك إرثاً وطنياً لا يقدر بثمن. ولم يكن سعد زغلول مجرد رجل سياسة، بل كان صوتاً معبراً عن ضمير الأمة، وقائداً لثورة 1919 التى هزت أركان الاحتلال البريطانى، ورسخت مبدأ أن إرادة الشعب فوق كل اعتبار.
كانت حياته سلسلة من النضال، بدأها محامياً ومفكراً ثم صار وزيراً للمعارف، قبل أن يتحول إلى زعيم لحركة وطنية شاملة. وعندما قرر الاحتلال البريطانى نفيه إلى جزيرة سيشيل، اشتعلت الثورة فى كل أنحاء مصر، فخرجت النساء قبل الرجال، والمزارعون قبل المثقفين، يطالبون بعودته. وعند عودته من المنفى، قاد حزب الوفد الوطنى، حتى فاز بأغلبية ساحقة فى انتخابات يناير 1924، ليصبح رئيساً للوزراء، وليلقب عن استحقاق بـ«زعيم الأمة».
ورغم مرور ما يقرب من قرن على رحيله، فإن شخصية سعد باشا ما زالت حاضرة فى وجدان المصريين، ليس فقط عبر الكتب والمراجع التاريخية، بل أيضاً من خلال الدراما المصرية التى حرصت على تجسيد هذه الشخصية المحورية، فى أعمال درامية متنوعة، حاولت كل منها أن تظهر جانباً من شخصية الزعيم، بين السياسة والكفاح، وبين التنوير والإنسانية.
سعد زغلول على الشاشة… حكاية لا تنتهى
منذ بدايات الدراما التاريخية المصرية، كانت شخصية سعد باشا زغلول من أولى الشخصيات التى سعت الأعمال الفنية إلى تقديمها، نظراً لقيمتها الرمزية وتأثيرها العميق فى تشكيل الوعى الوطنى. وقد جسد هذه الشخصية عدد من كبار الفنانين، كل منهم أضفى على الشخصية بعداً مختلفاً، وقربها إلى الجمهور بأسلوبه الخاص.
وأول من ارتبط اسمه بشخصية سعد باشا هو الفنان حمدى غيث، الذى يعد الأكثر تجسيداً لها فى الدراما المصرية، فقد جسدها فى ثلاثة أعمال درامية مختلفة، على مدى عقدين من الزمن، دون أن يشعر بالملل أو التكرار، بل كان يراها فى كل مرة تحدياً جديداً وفرصة لإظهار بعد آخر من شخصية الزعيم.
وفى مسلسل جمهورية زفتى، الذى عرض عام 1997، وجسد بطولته ممدوح عبدالعليم وصابرين، وكتب نصه يسرى الجندى وأخرجه إسماعيل عبدالحافظ، ظهر سعد باشا فى سياق درامى يروى قصة مدينة صغيرة أعلنت استقلالها عن الاحتلال البريطانى فترة قصيرة. وهنا ظهر الزعيم كرمز ملهم للفلاحين والطبقة الشعبية، قريباً من نبض الناس، مشاركاً فى كفاحهم اليومى، مشجعاً لهم على التمسك بحريتهم. وقدم حمدى غيث الشخصية بصوت جهورى ونبرة قيادية، جعلت الجمهور يرى فيه الزعيم الحقيقى.
ثم عاد ليجسد الشخصية فى مسلسل العملاق، الذى تناول السيرة الذاتية للمفكر الكبير عباس محمود العقاد، بطولة محمود مرسى، ومن إخراج يحيى العلمى. وفى هذا السياق، ظهر سعد زغلول كزعيم مفكر، صديق للمثقفين، ومؤثر فى تشكيل وعى جيل كامل من المفكرين والكتاب. وهنا قدم حمدى غيث أداء أكثر هدوءاً وعمقاً، يظهر الجانب الفكرى للزعيم، بعيداً عن الخطب الحماسية.
وفى طائر فى العنق، الذى شارك فى بطولته كل من بوسى وأحمد راتب ومديحة يسرى، ظهر سعد باشا مرة ثالثة وجسده حمدى غيث، ولكن بصورة أكثر إنسانية، حيث كان الدور يعكس لحظات التأمل والنقد الذاتى فى نهاية الرحلة، رجل حمل الوطن فى قلبه ودفع ثمناً باهظاً من صحته وحياته.
أداء حمدى غيث تميز دائماً بالحضور الطاغى، والصوت القوى، والحركة المدروسة، ما جعل الجمهور يربط بين صورته وصورة الزعيم التاريخى فى المخيلة الشعبية.
وفى عام 2004، ظهر سعد باشا مجدداً فى مسلسل مصر الجديدة، من تأليف يسرى الجندى وإخراج محمد فاضل، حيث جسده الفنان أحمد خليل. وقدم خليل أداءً مختلفاً، يعتمد على الاتزان والهدوء، فجاء الزعيم هنا أكثر عقلانية، رجل دولة يدير حواراته السياسية بذكاء وهدوء، ويوازن بين العاطفة الوطنية والحكمة السياسية. وظهر من خلال مشاهد العمل أنه زعيم يحاور الجميع ويستمع، ويؤمن بأن النضال لا ينفصل عن بناء الدولة الحديثة.
وفى سياق مختلف، جاء ظهور شخصية سعد زغلول فى مسلسل مشرفة رجل هذا الزمان، الذى تناول السيرة الذاتية للعالم المصرى على مصطفى مشرفة. وفى هذا العمل، جسد الفنان خليل مرسى شخصية الزعيم، وظهر فى إطار داعم للعلم والعلماء، وكان سعد باشا دائماً من المدافعين عن دور العلم فى تحرير العقول. وأبرز خليل مرسى الجانب المتنور فى شخصية الزعيم، فهو زعيم يؤمن بأن نهضة الأمة تبدأ من الجامعة والمعمل، لا من المنصة السياسية فقط.
وعلى الرغم من أن مساحة الدور لم تكن كبيرة فى مسلسل الملك فاروق، فإن الفنان عبدالرحمن أبوزهرة استطاع أن يترك بصمة قوية من خلال تجسيده شخصية سعد باشا فى لحظة صراع سياسى محتدم بين القصر والوفد والاحتلال البريطانى. وبفضل صوته القوى وأدائه البليغ، منح أبوزهرة الشخصية وقاراً وحنكة سياسية، وأضفى عليها لمحة من الدهاء والصلابة التى اشتهر بها الزعيم فى سنواته الأخيرة.
وفى مسلسل قاسم أمين، الذى عرض فى أوائل الألفية، وشارك فى بطولته كمال أبورية ونادية رشاد، ظهر الفنان جمال عبدالناصر فى دور سعد باشا، ولكن هذه المرة من زاوية مختلفة، فقد ركز العمل على موقف الزعيم من قضية المرأة، ودعمه صديقه قاسم أمين فى مشروعه لتطوير أوضاع النساء فى المجتمع المصرى. وهنا قدم جمال عبدالناصر شخصية الزعيم كصديق للتنوير، رجلاً يؤمن بحق المرأة فى التعليم والمشاركة، ويرى أن النهضة لا تكتمل دون مشاركة نصف المجتمع.
من خلال هذه الأعمال، يتضح أن سعد باشا زغلول لم يكن مجرد شخصية سياسية جامدة، بل هو الرمز متعدد الأبعاد، الزعيم الشعبى، السياسى الحكيم، الصديق للمثقفين، والداعم للتنوير، وكل ممثل جسد الشخصية بطريقته، فأضاف إليها ملمحاً جديداً، وقربها إلى وجدان الجمهور.
الدراما تحفظ الذاكرة
إن استدعاء شخصية سعد باشا فى الدراما المصرية لم يكن مجرد حنين إلى الماضى، بل هو فعل وطنى بامتياز، لأن هذه الأعمال أسهمت فى تعريف الأجيال الجديدة بسيرة رجل لم يكن فى زمنهم، لكنها رأت فيه مثالاً للزعيم الحقيقى، الذى ضحى بمنصبه وحياته من أجل أن يحيا شعبه حراً.
لقد ساعدت هذه الأعمال على إبقاء صورة الزعيم حية فى وجدان الناس، خصوصاً فى زمن تتراجع فيه الرموز الوطنية أمام ضجيج الحاضر. وما بين أداء حمدى غيث وأحمد خليل وخليل مرسى وعبدالرحمن أبوزهرة وجمال عبدالناصر، تظل صورة سعد زغلول على الشاشة متجددة ومتنوعة، كأن كل ممثل يعيد اكتشافه بطريقته الخاصة.
ختاماً
بعد ثمانية وتسعين عاماً على رحيل سعد باشا زغلول، ما زال المصريون يتذكرونه رمزاً خالداً للحرية والكرامة، وما زال الفن يعيد تقديمه ليقول للأجيال الجديدة: هذا هو الزعيم الذى لم يرضخ، ولم يساوم، ولم يهادن.
وفى كل مرة يظهر فيها سعد زغلول على الشاشة، يتجدد السؤال: من أين جاء هذا الرجل بكل هذا الحب الشعبى؟ والإجابة دائماً واحدة: لأنه كان ابناً حقيقياً لهذا الشعب، عاش لقضيته ومات وهو يدافع عنها.