رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

حين تضيق الخيارات.. صلاة الاستخارة بوابة اليقين في زمن الحيرة

بوابة الوفد الإلكترونية

من فوق منبر المسجد الحرام، رسم إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد صورة بليغة لواقع الإنسان المعاصر: ضعيف الفكر، قصير النظر، يجهل الغيب ولا يملك من أمره شيئًا، لكنه رغم ذلك يفتش عن مستقبله في الأبراج وحركة النجوم وتوقعات الحظ، وكأن قلبه معلق بين السماء والأرض يبحث عن طمأنينة مفقودة.

هنا جاء صوت الحرم ليعيد التذكير بأن الإسلام، بكماله وهديه، لم يترك المسلم نهبًا للجهالات والخرافات، بل شرع له صلاة الاستخارة؛ عبادة تُجسد التوحيد الخالص واللجوء إلى الله في كل أمر، صغيرًا كان أو كبيرًا، لتكون بوصلة المؤمن حين تشتد أمامه الحيرة وتضيق السبل.

الاستخارة.. تعليم نبوي لا يقل عن السور

الشيخ بن حميد أوضح أن النبي ﷺ كان يعلّم أصحابه الاستخارة كما يعلّمهم السورة من القرآن، في إشارة إلى عظم شأنها وحاجة المسلم إليها في شؤون دنياه ودينه. 

ففيها اعتراف بالعجز البشري، وإعلان للتسليم المطلق لمشيئة الله، ودعاء يختصر فلسفة الإيمان: “اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أنه شر فاصرفه عني واصرفني عنه”.

متى نستخير؟

بيّن الخطيب أن الاستخارة تكون عند بدايات التفكير في الأمر لا بعد الحسم والقرار، فهي ليست لإعطاء "تأييد" لما نريده نحن، بل لطلب الخير الحقيقي الذي يعلمه الله ويجهله العبد. أما العبادات والطاعات وترك المعاصي فهي لا تحتاج لاستخارة، إنما يكون الدعاء والتسليم في أمور المباحات: كالزواج، والعمل، والسفر، وشراء بيت أو مركب.

علاج للحيرة وضمان للطمأنينة

ليست الاستخارة مجرد ركعتين تُؤدى ودعاء يُتلى، بل هي مدرسة إيمانية، تعلّم العبد كيف يُفوّض أمره لله بثقة ويقين، فيرتاح قلبه وتطمئن نفسه مهما كانت النتائج. فمن استخار لم يندم، ومن سلّم اختياره لربه لم يتمنّ غير ما اختار الله له.

رسالة الحرم للعصر

في عالم يزداد ضجيجه بالقلق والتوتر، جاءت خطبة المسجد الحرام لتعيد صياغة معادلة الطمأنينة: ليست في قراءة الأبراج ولا في استشارة الحظ، بل في سجدات خاشعة تضع القرار بين يدي العليم الحكيم. إنها دعوة مفتوحة للبشرية أن تتجاوز أوهام السيطرة على الغيب، وأن تدرك أن السعادة ليست في أن يختار المرء ما يشاء، بل أن يرضى بما يختاره الله له.

هكذا قدّم الشيخ بن حميد صلاة الاستخارة لا كعبادة فردية فحسب، بل كمنهج حياة يحرر الإنسان من قلق الغد، ويمنحه يقينًا لا تمنحه تنبؤات الكواكب ولا حسابات البشر.