رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

خطبة الجمعة

تنمية الفكر

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

 

حدَّدت وزارة الأوقاف موضوع خطبة اليوم الجمعة بعنوان: «إِنَّ مِن الشَّجرِ شجَرةً لا يسقُطُ ورقُهَا».

وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو التوعية بطرق وأسباب تنمية الفكر عامَّة والفكر النقدى خاصَّة.

للعقلِ منزلةٌ كبيرةٌ فى الإسلامِ، فهو مِن أعظمِ الفروقِ بينَ الإنسانِ والحيوانِ، ويكفِى الإشارةُ إلى أهميةِ «العقلِ» فى كتابِ اللهِ أنّ مادةَ (عَقَلَ) تكررتْ بجميعِ مُشتقاتِهَا حوالِى سبعينَ مرةً، ناهيكَ عن الآياتِ التى تتصلُ بالعملياتِ العقليةِ كالتفكرِ والتأملِ والتدبرِ والنظرِ بتمعنٍ فى آياتِ اللهِ فى الأنفسِ والآفاقِ، والتى لا يمكنُ حصرَهَا مِن كثرَتِهَا فى كتابِ اللهِ تعالَى.

ولأهميةِ العقلِ والتفكرِ، كانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم فى دعوتِه يوجهُ الرسالةَ الدعويةَ فى كثيرٍ مِن أحاديثِهِ عن طريقِ السؤالِ لتنميةِ الفكرِ البنَّاءِ، وتغذيةِ العقلِ، مِن ذلكَ ما رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِى مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِى شَجَرِ البَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هِيَ النَّخْلَةُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِى بِمَا وَقَعَ فِى نَفْسِى، فَقَالَ: «لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِى كَذَا وَكَذَا» (متفق عليه). «قَالَ الْعُلَمَاءُ وَشَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُسْلِمِ فِى كَثْرَةِ خَيْرِهَا وَدَوَامِ ظِلِّهَا وَطِيبِ ثَمَرِهَا وَوُجُودِهِ عَلَى الدَّوَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ ثَمَرُهَا لايزال يُؤْكَلُ مِنْهُ حَتَّى يَيْبَسَ، وَبَعْدَ أَنْ يَيْبَسَ يُتَّخَذُ مِنْهُ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْ خَشَبِهَا وَوَرَقِهَا وَأَغْصَانِهَا، فَيُسْتَعْمَلُ جُذُوعًا وَحَطَبًا وَعِصِيًّا وَمَخَاصِرَ وَحُصْرًا وَحِبَالًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ آخِرُ شَيْءٍ مِنْهَا نَوَاهَا وَيُنْتَفَعُ بِهِ عَلَفًا لِلْإِبِلِ، ثُمَّ جَمَالُ نَبَاتِهَا وَحُسْنُ هَيْئَةِ ثَمَرِهَا، فَهِى مَنَافِعُ كُلُّهَا وَخَيْرٌ وَجَمَالٌ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلُّهُ مِنْ كَثْرَةِ طَاعَاتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَذِكْرِهِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ » (شرح النووى على مسلم).

فالرسولُ صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما كانَ يستخدمُ هذا الأسلوبَ فى دعوتِهِ، نحو: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» (متفق عليه)، «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» (البخارى)، «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟» (مسلم)، «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»، (مسلم). «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» (مسلم)، «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» (مسلم). وغيرُ ذلكَ كثيرٌ.

فالدعوةُ عن طريقِ السؤالِ هى أسلوبٌ دعويٌّ يعتمدُ على طرحِ الأسئلةِ لإثارةِ التفكيرِ وتشجيعِ الآخرينَ على الاستكشافِ والتعلمِ، وتهدفُ هذه الطريقةُ إلى تحفيزِ المشاركةِ الفعالةِ وتوليدِ الحوارِ بدلاً مِن التلقينِ المباشرِ.

ثانيًا: أوجُهُ الشبهِ والنفعِ بينَ المؤمنِ والنخلةِ.

هناكَ أوجهٌ للشبهِ والنفعِ متعددةٌ وكثيرةٌ بينَ المؤمنِ والنخلةِ:

منهَا: كثرةُ الخيراتِ فى كلِّ حينٍ: قالَ تعالَى عن النخلةِ:{تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}. (إبراهيم: 24، 25)، يقولُ ابنُ كثيرٍ: «إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُؤْمِنِ، وَقَوْلِهِ الطَّيّبِ، وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ كَالشَّجَرَةِ مِنَ النَّخْلِ، لَا يَزَالُ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ فِى كُلِّ حِينٍ وَوَقْتٍ، وَصَبَاحٍ وَمَسَاءٍ» (تفسير ابن كثير)، وفى وصفِ النخلةِ يقولُ صلى الله عليه وسلم: «تُؤْتِى ‌أُكُلَهَا ‌كُلَّ ‌حِينٍ ‌بِإِذْنِ ‌رَبِّهَا، ‌وَلَا‌تَحُتُّ ‌وَرَقَهَا» (البخارى). وقالَ ابنُ القيّمِ عن النخلةِ: «طِيبُ ثمرتِهَا وحلاوتِهَا وعمومُ المنفعةِ بهَا، كذلكَ المؤمنُ طيّبُ الكلامِ طيّبُ العملِ، فيهِ المنفعةُ لنفسِهِ ولغيرِهِ.» (مفتاحدار السعادة).

ومنهَا: عمومُ النفعِ فى الحياةِ وبعدَ المماتِ: يقولُ أبنُ حجرٍ فى شرحِ حديثِ النخلةِ: «وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَصْلَ دِينِ الْمُسْلِمِ ثَابِتٌ وَأَنَّ مَا ‌يَصْدُرُ ‌عَنْهُ ‌مِنَ ‌الْعُلُومِ ‌وَالْخَيْرِ ‌قُوتٌ ‌لِلْأَرْوَاحِ مُسْتَطَابٌ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ مَسْتُورًا بِدِينِهِ وَأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِكُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ حَيًّا وَمَيّتًا» (فتح البارى لابن حجر). وعندَ الطبرانِىّ بسندٍ حسنٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ، مَا ‌أَخَذْتَ ‌مِنْهَا ‌مِنْ ‌شَىْءٍ ‌نَفَعَكَ».

فالنخلةُ يُنتفَعُ بجميعِ أجزائِهَا (كالثمرِ، الجذعِ، السعفِ، الليفِ)، وكذلكَ المؤمنُ نافعٌ للناسِ بعلمِهِ، وخُلقِهِ، ودعوتِهِ، كمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أحَبُّ النَّاسِ إِلَى الله أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» (الطبرانى بسند حسن).

فالنخلةُ نافعةٌ فى حياتِهَا وبعدَ قطعِهَا ومماتِهَا وكذلكَ المؤمنُ، وهذا معنَى قولِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَه» (الترمذى وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).