رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

«يا خبر»

فى وقت تعيش فيه غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية فى العصر الحديث، هل أدى الاتحاد الأوروبى ما ينبغى أن يكون حيال هذه الحرب؟ الإجابة بوضوح لا، فرغم كلمات التعاطف من القادة الأوربيين وإعلان بعض الدول الأوربية عن نيتها الاعتراف بفلسطين فى سبتمبر القادم بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تزال أوروبا تصوِّر معاناة الفلسطينيين فى غزة على أنها مجرد أزمة إنسانية، وليست فعلا سياسيا متعمدا، وطوال ما يقرب من عامين ظلت أوروبا عاجزة عن اتخاذ أى خطوات مؤثرة بينما تواصل إسرائيل تدمير غزة بالقصف والاغتيالات والتجويع المتعمد منذ السابع من أكتوبر 2023.

قد يطرح أحدهم سؤالا: وماذا بيد أوربا لتفعله فى ظل إمساك الولايات المتحدة بخيوط اللعبة وتوليها الدفاع عن إسرائيل ضد أى قرار دولى يتخذ فى مجلس الأمن؟ والإجابة أيضا بمنتهى الوضوح: لدى الاتحاد الأوروبى أدوات عقابية عديدة، لكنه يرفض استخدامها، فهو الشريك التجارى الأكبر لإسرائيل، إذ شكّل 32% من إجمالى تجارتها عام 2024، ومع ذلك، فشل القادة والوزراء الأوروبيون فى كل اجتماع فى تأمين الأغلبية اللازمة لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، رغم ضغوط إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا، ففى يوليو الماضى رفض الاتحاد الأوروبى خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الـ 27 الأعضاء ببروكسل فرض أى عقوبات على إسرائيل، رغم توثيق منظمات دولية لارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية فى غزة، ورغم إقرار الاتحاد بأن إسرائيل تنتهك المادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الجانبين والتى تنصّ على احترام حقوق الإنسان، وتشكّل هذه الشراكة أساس العلاقة بين الطرفين وتسمح لإسرائيل بالوصول المفتوح معفاة من الرسوم الجمركية إلى التجارة الأوروبية بأكملها. وكان هذا الاجتماع هو الأخير فى بروكسل قبل عطلة الصيف وخصص لمناقشة التقرير الذى أعدته كايا كالاس، مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، حول انتهاك إسرائيل لاتفاقية الشراكة مع كتلة بروكسل. وأكّد التقرير وجود مؤشرات على أن إسرائيل حادت عن التزاماتها فى مجال حقوق الإنسان، وهو ما تنص عليه المادة الثانية من الاتفاق.

رغم مرور عقود على تحرر الشرق الأوسط من نيران الاستعمار لا تزال أوروبا تبقى على نظرتها للمنطقة فى إطار عقلية استعمارية مترسخة فى سياسات الاتحاد الخارجية والتجارية والهجرة.

صحيح أنه بإمكاننا تفهم «عقدة الذنب التاريخية» لأوروبا تجاه اليهود وانقساماتها الداخلية، وروابطها الاقتصادية العميقة مع إسرائيل، لكن هذا أبدا لا يبرر الصمت القاتل تجاه عملية محو قطاع غزة بالكامل من الوجود، ولا يبرر أيضا الشلل السياسى والأخلاقى الأوروبى إزاء المأساة الفلسطينية، وليس من المنطق أبدا اعتبار ما يحدث مجرد أزمة إنسانية وليس احتلالا وتوغلا سياسيا مخططا له ومدعوما.

تابعنا وتابع العالم معنا كيف انتفضت أوروبا ولا تزال تجاه روسيا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، لدرجة أن قادة أوروبا جميعهم قرروا مصاحبة الرئيس الأوكرانى زيلينيسكى قبل أيام إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد قمة الأخير مع الرئيس الروسى بوتين وذلك للاتفاق على لقاء يجمع بوتين وزيلينيسكى، كل هذا يكشف كيف يدير الأوروبيون مواقفهم من الحروب فى العالم على أساس عنصرى لم يخل من ازدواجية المعايير.

ما ترتكبه إسرائيل فى غزة من جرائم ليس بدافع الانتقام من حماس ولا حتى لإعادة الرهائن ولا يمكن اختزاله فى مجرد «أزمة إنسانية» بل هو سياسة استعمارية لاغتصاب الأرض بالقوة بعد التخلص من شعبها. ولا أعلم كيف تصف أوروبا مصطلح الاستعمار! وهل لديها مبرر له؟!

أتصور أن أوروبا عليها أولا خلع معطفها الاستعمارى القديم البالى حتى تقيم بواقعية ما يحدث على الأرض فى غزة، وعليها أيضا أن تدرك أن ظروف استعمار الدول فى الربع الأول من القرن العشرين يختلف تماما عن نظيرتها فى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، أعتقد آن الأوان لأوروبا أن تطهر نفسها من ماضيها الاستعمارى وتعيد النظر فى خططها لمكافحة العنصرية حتى لا تفقد مصداقيتها داخليا وخارجيا.

الحقيقة أن المأساة تجاوزت حدود الكلمات، فقد جردت غزة النفاق الأوروبى من أى قناع، وكشفت عن جبن سياسى واضح، فكم من فرصة أُتيحت للقادة الأوروبيين لاتخاذ موقف مبدئى فى وجه جرائم إسرائيل، لكنهم بدلا من ذلك منحوها الضوء الأخضر لمواصلة ارتكابها الإبادة الجماعية بغزة، واحتلالها غير القانونى لكامل الأرض الفلسطينية.