لم تكن مصر يوما دولة بلا قيم على العكس مصر من أقدم المجتمعات التي أقامت حياتها على أعمدة صلبة من الأخلاق والانضباط والاحترام المتبادل، داخل البيت والمدرسة والشارع ومؤسسات الدولة لكننا اليوم أمام مشهد اجتماعي بالغ الاضطراب، حيث انهارت منظومة القيم أو بالأدق، أصيبت بتآكل تدريجي استمر سنوات، حتى أصبح المألوف هو الخروج عن المألوف لا التمسك بالثوابت التي تربينا عليها
نرى على السطح منذ فترة نماذج شاذة تتصدر المشهد العام، وتٌُقدم للشباب على أنهم أيقونات النجاح، بينما هم في الحقيقة منتج رديء لثقافة استهلاكية جوفاء ولمنصات اجتماعية خلقت شهرة بلا محتوى وبريقا بلا قيمة ، المؤسف أن هذه الفوضى لم تكن لتأخذ هذا الحجم لولا الغياب المتراكم لأدوار مؤسسات الدولة ، الأسرة انشغلت بلقمة العيش والمدرسة فقدت هيبتها، والجامعة خرجت من معادلة التنوير، والإعلام ركض خلف الإثارة وترك التوعية، حتى صار الرأي العام مشوشًا، فاقدا للبوصلة، لا يميز بين القدوة والشواذ ، والأخطر أن هذا الانهيار القيمي أصبح يُنظر له على أنه حرية، وتقدم، وتحضر، بينما هو في حقيقته تفكيك للمجتمع وإضعاف له من الداخل
ما زالت مصر قادرة على استرداد عافيتها فوسط هذا الغثاء تظهر نماذج مضيئة من أبنائنا المتفوقين الذين يحملون الأمل والعقل والانضباط ، هؤلاء هم الرد الحقيقي على فوضى السوشيال ميديا، وهم الحائط الأخير الذي يحمي شخصية مصر ويعيد إليها ملامحها الأصيلة ، واجب الدولة اليوم ليس فقط محاصرة الظواهر السلبية، ولكن أيضًا أن تعيد الاعتبار للعقل ، للعلم، للقدوة، وللثقافة الوطنية ، نحن بحاجة إلى إعلام يعرف دوره وتعليم يعيد تشكيل الوعي وسياسات تستثمر في الإنسان ، مصر لا ينقصها شيء سوى أن تراجع أولوياتها وأن تضع القيم في قلب مشروعها الوطني إن أرادت فعلاً بناء الجمهورية الجديدة.