حكم ترك صلاة الجماعة لعذر عند جمهور العلماء

صلاة الجماعة.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن صلاة الجماعة ليست من فروض الأعيان عند جماهير علماء الأمة سلفًا وخلفًا خلافًا للحنابلة، وقد اختلف النافون لفرضيتها على الأعيان: هل هي سُنّة أم فرض كفاية.
حكم صلاة الجماعة:
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية في قول إلى أن صلاة الجماعة سُنة، وذهب بعض العلماء -كالطحاوي والكرخي من الحنفية، وابنِ رُشَيدٍ وابن بِشْرٍ من المالكية- إلى أنها فرضٌ على الكفاية.
قال الحافظ ابن عبد البر المالكي في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (18/ 333-334، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [قد أوجبها جماعةٌ من أهل العلم فرضًا على الكفاية، وهو قولٌ حسنٌ صحيح؛ لإجماعهم على أنه لا يجوز أن يُجْتَمَع على تعطيل المساجد كلّها من الجماعات، فإذا قامت الجماعة في المسجد، فصلاة المنفرد في بيته جائزة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، ففي هذا الحديث: جوازُ صلاة المنفرد، والخبرُ بأن صلاة الجماعة أفضل، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ»، وقال: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَالْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ»، وقال: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي الْمَطَرِ»، وهذه الآثار كلها تدل على أن الجماعة ليست بفريضة، وإنما هي فضيلة] اهـ.
صلاة الجماعة
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (2/ 297، ط. دار الكتب العلمية): [أما الجماعة لسائر الصلوات المفروضات، فلا يختلف مذهب الشافعي وسائر أصحابه أنها ليست فرضًا على الأعيان، واختلف أصحابنا: هل هي فرض على الكفاية أم سنة؟ فذهب أبو العباس بن سريج وجماعة من أصحابنا إلى أنها فرض على الكفاية، وذهب أبو علي بن أبي هريرة، وسائر أصحابنا إلى أنها سنة] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي في "التنبيه" (ص: 37، ط. عالم الكتب): [والجماعة سنة في الصلوات الخمس] اهـ.
ويقول الإمام سراج الدين بن الملقن في "التذكرة في الفقه الشافعي" (ص: 35، ط. دار الكتب العلمية): [الجماعة سنة في المكتوبات] اهـ.
حكم ترك صلاة الجماعة لعذر
وعلى كلا القولين للسادة الشافعية، فإنه يجوز في المذهب ترك صلاة الجماعة للعذر، يقول الإمام العمراني الشافعي في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (2/ 368، ط. دار المنهاج): [يجوز ترك الجماعة للعذر، سواءٌ قلنا: إن الجماعة فرض على الكفاية، أو سُنَّة] اهـ.
فالتحقيق أنه لا تَعارُض بين كونها سُنةً مؤكدة وكونها فرضَ كفاية؛ إذ السُّنِّية مُتجِهةٌ للفرد، والفرضية على الكفاية مُتجِهةٌ للجماعة؛ حتى تبقى الشعائر قائمةً بين المسلمين.
وأما الأحاديث التي فهم منها بعض العلماء وجوب صلاة الجماعة: كحديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فَرَخَّصَ لَهُ، فلما ولَّى دعاه، فقال: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قال: نعم، قال: «فَأَجِبْ»؛ فقد أجاب عنها الجمهور بأنه لا دلالة في الحديث لكونها فرض عين؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخَّص لعتبان رضي الله عنه حين شكَا بصرَه أن يُصلي في بيته، وحديثُه في الصحيحين، وقالوا: إن معنى الحديث: لا رخصة لك تُلحِقُك بفضيلة مَنْ حضرها؛ كما أسند ذلك الحافظ البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (3/ 82) عن الإمام أبي بكرٍ النيسابوري الفقيه، ونقله الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 192).
قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه المُلّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3/ 834، ط. دار الفكر): [ليس فيه دلالة على فرضية العين؛ لإجماع المسلمين على أن الجماعة تسقط بالعُذر، ولحديث الصحيحين: أنه عليه السلام رخَّص لعتبان حيث شكَا بصرَه أن يُصلي في بيته] اهـ.
صلاة الجماعة
وقال الإمامُ الكمال بن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (1/ 345، ط. دار الفكر): [معناه: لا أجد لك رخصةً تُحَصِّل لك فضيلة الجماعة مِن غيرِ حضورِها، لا الإيجابُ على الأعمى] اهـ.
ويؤيد ذلك أنه لم يقل أحد من العلماء بظاهر هذا الحديث؛ فإن ظاهره يقتضي وجوب صلاة الجماعة على من كانت حاله كحالة ابن أم مكتوم رضي الله عنه؛ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (3/ 185-186، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): [وقد أشار الجوزجاني إلى أن حديث ابن أم مكتوم لم يقُل أحدٌ بظاهره؛ يعني: أن هذا لم يوجِب حضورَ المسجد على مَن كان حالُه كَحَالِ ابن أم مكتوم رضي الله عنه] اهـ.