علي جمعة: تدبر القرآن سبيل الأمة للتحرر من التبعية الحضارية

قدم الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، قراءة فكرية عميقة للآية الكريمة من (سورة آل عمران){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}، مبينًا دلالاتها على الواقع الفكري والحضاري الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم.
البطانة ومعناها
أوضح جمعة عبر صفحته الرسمية أن "البطانة" تعني المستشار أو المرجع أو مصدر القرار الذي يُتخذ من خارج الأمة.
وهؤلاء – بحسب الآية – لا يعملون لصالح المسلمين، بل يسعون لإضعافهم وإفسادهم: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}. فغايتهم أن تبقى الأمة في ضيق وتبعـية، مجرد سوق استهلاكية لمنتجاتهم.
خطاب التفوق الغربي
وأشار إلى أن القرآن الكريم لفت النظر إلى هذا الواقع منذ قرون: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}، موضحًا أن ذلك يتجلى اليوم في الخطاب الغربي الذي يروج لفكرة "نهاية التاريخ" وانتصار حضارة واحدة على جميع الحضارات.
وفي هذا الخطاب، يُصوَّر المسلم دائمًا على أنه "متخلف" أو "إرهابي"، حتى لو كان مبدعًا وناجحًا، مؤكّدًا أن هذه الصورة الكاذبة تُسوَّق عالميًا حتى تُصبح واقعًا مقبولًا في أعين الناس.
خطر الكسل الفكري
وانتقد الدكتور علي جمعة حالة "الكسل الفكري" التي تعيق الأمة عن النهوض، حيث يكتفي كثير من المسلمين بتلاوة القرآن دون تدبر، ليبقى – كما قال سيدنا علي بن أبي طالب –: "لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ومن القرآن إلا رسمه".
وأضاف أن التدبر هو السبيل الحقيقي لفهم رسالة القرآن: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، مؤكدًا أن تدبر المسلمين لو اجتمعوا عليه لكان بمثابة "معجزة حضارية".
وحدة الأمة طريق النهضة
ورغم اختلاف الأعراق واللغات، يرى جمعة أن الأمة الإسلامية ما زالت واحدة في قبلتها وكتابها ورسولها وفرائضها، وهذه الوحدة الدينية تمثل قوة كامنة يمكن أن تصبح أساسًا للنهضة الحضارية إذا اقترنت بالعقل والعمل.
برنامج عملي للنهوض
وختم جمعة حديثه بطرح برنامج عملي للأمة، يقوم على:
- الاعتماد على الذات.
- إدراك حقيقة البغضاء الحضارية الموجهة إليها.
- التحرر بالعبودية لله.
- تجاوز الكسل الفكري بالتدبر والعمل.
- استثمار الوحدة الدينية لتحقيق الريادة.
بهذا الخطاب، يؤكد الدكتور علي جمعة أن القرآن الكريم ليس مجرد نصوص تُتلى، بل رسالة عملية تبني وعيًا وتُحرر أمة من أسر التبعية إلى فضاء الريادة الحضارية.