فى الصميم
يتطلب الوضع الراهن، مع تصاعد الأزمات السياسية والإنسانية فى المنطقة العربية والإسلامية، تبنى خطوات فعالة وحاسمة تعكس وحدة الصف وقوة الموقف الجماعى.
وقد جاء البيان المشترك عن وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية، بالتعاون مع الأمناء العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ليركز على مفهوم «إسرائيل الكبرى»، الذى يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولى وأسس العلاقات الدولية الراسخة، ويُعد تهديداً مباشراً للأمن القومى العربى ولسيادة الدول، ويحمل تداعيات خطيرة تنعكس سلباً على الأمن والاستقرار فى المستويات الإقليمية والدولية.
ويُعد بمثابة نقلة نوعية نحو تعزيز أسس العمل المشترك فى مواجهة التحديات المشتركة التى تهدد مستقبل المنطقة وشعوبها.
هذا البيان ليس مجرد وثيقة بروتوكولية؛ بل يعكس وعياً عميقاً بأهمية توحيد القدرات السياسية والاقتصادية لتفعيل الضغوط المناسبة على القوى الكبرى، وفى مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف وضع حد لانتهاكات القانون الدولى التى يتجلى أبرزها فى الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية.
الإعلان عن موقف موحد يُعد رسالة واضحة تعزز جبهة المقاومة السياسية، ومن هذا المنطلق نطالب بخطوات تصعيدية مستقبلية تكشف عن الأبعاد التوسعية للمشروع الاستيطانى الإسرائيلى الذى لا يهدد فقط القضية الفلسطينية، بل يمتد تأثيره ليطال أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
ونطالب بالبدء فى العمل المشترك عبر مسار قانونى دولى لمحاكمة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، أمام المحكمة الجنائية الدولية بصفته مجرم حرب.
مثل هذه الخطوة القانونية ليست مجرد رمزية؛ بل تعتبر وسيلة ضغط فعالة تسهم فى إيقاف عدوانية إسرائيل وإلزامها بمراعاة القانون الدولى والمبادئ الإنسانية، والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لوقف تعصبها الأعمى لصالح الإحتلال.
ولا تتوقف الإجراءات المطلوبة عند الجانب السياسى والقانونى؛ إذ يجب العمل العاجل على وضع آليات عملية لمواجهة المشاريع الاستيطانية بشكل مباشر، يتضمن ذلك توعية الرأى العام العالمى بمخاطر هذه السياسات التوسعية وكيف أنها تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافى والجغرافى بشكل يخدم الهيمنة الإسرائيلية.
من الضرورى أن تتجمع الجهود لكشف الادعاءات التاريخية الزائفة التى تُستخدم لتبرير مشروع الاستيطان وتمكين السيطرة على الأراضى الفلسطينية، كمرحلة أولى، والسير خلف الخرافة الإسرائيلية والوهم الصهيونى المزعوم تحت راية إسرائيل الكبرى.
التعاون والتكامل بين الدول العربية والإسلامية يمثل حائط الصد الأقوى أمام السياسات الاستعمارية الجديدة التى تسعى إلى فرض واقع يتعارض مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
البيان المشترك الذى أثلج صدور الجميع، يُعد دعوة ملهمة للعمل الجماعى الذى يحتاجه العالم العربى والإسلامى اليوم أكثر من أى وقت مضى، وهو دليل واضح على أن التنسيق بين الدول يمكن أن يؤدى إلى تغييرات جذرية تُعيد صياغة موازين القوة وتُرسّخ قيم العدل ودعم الحقوق المشروعة للشعوب، وبالأخص الشعب الفلسطينى الذى يواجه أحد أشد أشكال الظلم والاضطهاد دعماً للمشروع الإسرائيلى التوسعى.
ومع كل هذه المبادرات الجارية، فإن الإجراءات التصعيدية المستقبلية يجب أن تستهدف تعزيز العمل المؤسسى داخل المنظمات الدولية لتفعيل دورها كمنصات ضغط دائمة، والعمل على إنشاء لجان مراقبة ميدانية تتابع تطورات الوضع على الأرض فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
إضافة إلى ذلك، ينبغى التفكير فى تدابير اقتصادية طويلة الأجل تهدف إلى تقليل الاعتماد على القوى المتورطة فى دعم الاحتلال الإسرائيلى، بما يشمل مقاطعة الشركات العالمية التى لها صلة مباشرة بدعم إسرائيل أو تقديم خدمات تسهل مشاريعها الاستيطانية.
إن تآزر الدول العربية والإسلامية هو السبيل لإثبات قدرة الشعوب على حماية حقوقها ومكتسباتها، والوقوف سداً منيعاً فى وجه السياسات الاستعمارية التى تهدد السلام والاستقرار فى المنطقة.
البيان يمثل نداءً للعمل المشترك، ورسالة قوية بأن التعاون والتكامل قادران على إحداث تغيير جذرى وحاسم نحو تحقيق العدالة والإنصاف للمظلومين.