ورشة "المؤشر العالمي للفتوى" تحذر: الذكاء الاصطناعي قد يتحول إلى "إله رقمي"
انطلقت، اليوم الثلاثاء، فعاليات الورشة الأولى التي نظمها المؤشر العالمي للفتوى ضمن أعمال المؤتمر العالمي العاشر لدار الإفتاء المصرية، والتي جاءت بعنوان: "تطوير أُطر أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في دعم العمل الإفتائي"، بمشاركة نخبة من العلماء والخبراء في مجالي الشريعة والتقنيات الحديثة.
أدار الورشة الدكتور عبد الصمد اليزيدي، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الذي أشاد باستمرار دار الإفتاء المصرية في تنظيم المؤتمرات والفعاليات التي تجمع أهل الاختصاص من مختلف دول العالم، مؤكدًا أن رصد المؤشر العالمي لتوجهات الفتوى حول العالم لم يخدم أهل مصر فقط، بل يخدم المسلمين جميعًا.
محاور الدراسة ونتائج المؤشر
في بداية الورشة، أكد الدكتور طارق أبو هشيمة، مدير المؤشر العالمي للفتوى، أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح عنصرًا فاعلًا محتملًا في المجالات ذات الطابع القيمي والروحي، وعلى رأسها المجال الديني والإفتائي، وهو ما يستدعي وقفة جادة للتساؤل حول ملاءمة توظيفه في مجال شديد الارتباط بالضمير الإنساني والاجتهاد الفقهي.
وعرض مدير المؤشر دراسة خاصة تناولت عدة محاور رئيسية، منها: المدخل المفاهيمي للعلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفتوى، القوانين والتشريعات المنظمة للعمل الإفتائي في العصر الرقمي، الأطر الأخلاقية والشرعية لتوظيف التقنيات الحديثة، إضافة إلى قراءة إفتائية للنتائج، وتقديم رؤية استشرافية لمستقبل استخدامها.
وكشف أن 75% من الفتاوى الواردة تناولت بيان الأحكام الشرعية الخاصة باستخدامات الذكاء الاصطناعي والغرض منها وإمكانية التكسب منها، فيما أظهرت النتائج أن 85% من الفتاوى ذهبت إلى جواز استخدام الذكاء الاصطناعي بشرط خلوه من المحاذير الشرعية، بينما اعتبرت 15% أنه "حرام" لكونه يهدف إلى استبدال خلق الله تعالى.
وأكد د. أبو هشيمة أهمية الاجتهاد الفقهي الجماعي، وتطوير مهارات المفتين في مواجهة القضايا التقنية المعاصرة، مع وضع أطر تشريعية وأخلاقية مستمدة من قيم الشريعة لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي، وتحديث البنية التحتية للفتوى الرقمية عبر تدريب النماذج الذكية على بيانات دينية موثوقة ومتنوعة.
تحذيرات من الخلل في فهم الدين
من جانبه، أوضح د. سامي الشريف، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية وعميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات، أن اختيار موضوع المؤتمر "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" في غاية الأهمية، فهذه التقنية باتت قضية عالمية.
وأشار إلى أن البعض يعتبر الذكاء الاصطناعي تهديدًا للبشرية، لكن توظيفه أصبح ضرورة، خاصة أنه يخاطب العقل البشري كما تخاطبه الأديان. وحذر من أن الاعتماد عليه قد يؤدي إلى خلل في فهم أصول الدين، إذ أصبح كثير من الشباب يلجأون إلى "الشيخ جوجل" بدل المفتي البشري، ما يستدعي تعزيز التواصل الروحي بين المفتي والمستفتي.
الأطر الأخلاقية بين المفتي والمستفتي
من جانبها، طرحت د. إلهام شاهين، مساعد الأمين العام لشؤون الواعظات بمجمع البحوث الإسلامية، تساؤلًا: هل الأطر الأخلاقية موجهة للمفتي أم للمستفتي؟ وأوضحت أنه إذا كان الحديث عن الذكاء الاصطناعي بشكل عام فهو ضرورة ملحة، أما في مجال الفتوى فيجب التأكيد على المرجعية الدينية، خاصة أن مبرمجي هذه التقنيات ليسوا بالضرورة مسلمين، مما يشكل خطرًا على دقة ومصداقية الفتوى الرقمية.
وأكدت ضرورة وضع ضوابط، منها: عدم التسبب في الضرر، حماية الخصوصية والبيانات، الإشراف البشري، وتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية للقائمين على البرمجة.
تحيز النماذج الذكية في المجال الإفتائي
بدوره، عرض د. عمرو عبد المنعم، الصحفي المتخصص في سوسيولوجيا الإفتاء، نماذج ذكية متخصصة في مجالات بحثية بلغ عددها 142 نموذجًا، منها نحو 30 نموذجًا تقنيًّا في المجال الدعوي والإفتائي، وأغلبها يعاني من التحيز الديني. وأكد أن الفتوى الاصطناعية لا تصلح أن تحل محل الفتوى الحقيقية إلا إذا كانت نماذج معدة لقضايا فقهية ثابتة لا تتغير.
الذكاء الاصطناعي.. "إله رقمي" يحتاج لضبط
وفي سياق متصل، أشار د. أيمن عبد الوهاب، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى أن غياب السيادة الرقمية في معظم الدول يخلق إشكالية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، واصفًا إياه بـ"الإله الرقمي" الذي يحتاج إلى مزيد من الضوابط الشرعية والأخلاقية.
دعوات لإنشاء قواعد بيانات دينية ضخمة
كما أكد علاء الغطريفي، رئيس تحرير "المصري اليوم"، أن الذكاء الاصطناعي ليس "جنيًّا" قادرًا على تقديم معلومات صحيحة بنسبة 100%، بل يجب التعامل معه بوعي ووضع معايير وأطر واضحة.
ورأى خالد البرماوي، الكاتب الصحفي والخبير في الإعلام الرقمي، أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه، لكن يجب مواجهة إشكالياته، وأبرزها المحتوى الديني المضلل المنتشر عبر الإنترنت، من خلال تدشين قواعد بيانات ضخمة داخل كل مؤسسة دينية لضمان موثوقية المعلومات.
مخاطر على وعي الشباب
واختتم د. حمادة شعبان، عضو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بالتنبيه إلى مخاطر اعتماد الشباب على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل في المجال الديني، مشيرًا إلى أن هذه التقنية وصلت إلى حد ظهور روبوتات كمذيعين ومذيعات يحرضون على التطرف، ما يشكل خطرًا على الوعي ويستلزم وقفة جادة لمعالجة التحديات.




