مراجعات
هناك لحظات قاسية، تمر على الإنسان بصعوبة، وكأنها سنوات من الألم، لا يستطيع حيالها فعل أي شيء، بل يرجو لو كان بإمكانه حذفها ومحوها من ذاكرته.
ربما يكون الأصعب من ذلك أن تشعر بالوحدة.. لا أحد يفهم ألمك، أو يهتم لأمرك.. في تلك اللحظات لن يشاركك مَن حولك بما يجري في داخلك، أو يزلزل كيانك، أو يهدم خلايا عقلك.
وفي المقابل، هناك كثيرون لا يرغبون في مواجهة الحقائق، ولا يقبلون الاعتراف بالواقع، فيظلون مكابرين ومعاندين ـ لأنفسهم قبل غيرهم ـ من أجل التبرير، أو في محاولة بائسة لإصلاح وترميم علاقات انتهت بالفعل!
إذن، من الضروري أن تواجه الحقائق بكل أريحية، رغم قسوتها، وهَجْر هؤلاء الذين تسببوا لك في إيذاء نفسي، بما خَلَّفوه من آلام يصعب محوها، سواء أكانوا أصدقاء أو زملاء.. أو حتى أقارب وأحباء، ولتكن آخر كلماتك لهم: «لقد نفد رصيدكم من المحبة».
أحيانًا، لا تستطيع فعل أي شيء، بل تقف مشدوهًا، مكبلًا مكتوف الأيدي، رغم ما قد تتعرض له من قهر أو ظلم وإجحاف، لأن سهام الغدر قد طالتك ممن يُفترض فيهم أنهم من ذوي القربى!
قديمًا قالوا إن الصبر على الأذى في معاملات الناس من سمات النفوس الكبيرة والكريمة.. ولكن، لا شيء أصعب على النفس، حين يأتي الصدود والنكران والجحود والإيذاء، من حيث انتظرنا الإنصاف والرحمة، خصوصًا ذوي القربى.
ورغم تعدد المفاهيم والمبادئ السامية للرحمة والتراحم، نجد البعض من ذوي الأرحام أصيبوا فى أخلاقهم وتعاملاتهم، فاشتعلت في قلوبهم نيران البغضاء والكراهية، بدلًا من أن تسكنها أواصر المودة!
بكل أسف، أصبحنا نعيش في زمن عقيم.. زمان العتاب والمحاسبة والملامة، الذي ارتفع فيه سقف المشاحنات والتلاسن، وتعددت به صور الظلم والفجور، فلا يُكتفى بالقطيعة والإيذاء النفسي، بل تخطى الاعتداء والغدر، إلى تمني السوء والهلاك!!
ربما مَن وصل، أو تجاوز العقد الخامس من العمر، يتذكر قصة «حزمة الحطب» المعبرة والمؤثرة، في كتاب القراءة بالصف الثاني الابتدائي، التي تحكي أن رجلًا حكيمًا أحس بدنوّ أجله، فجمع أولاده حوله، وطلب منهم إحضار حزمة من الحطب قد شدَّت عيدانها معًا، فأمسك بها الأب وأعطاها لأكبر أبنائه، وأمره بكسرها، فاستعصت عليه.. وهكذا فشل الآخرون تباعًا، وعندما أعطاهم فرادى، عودًا واحدًا، استطاع كلٌّ منهم كسره بيُسر وسهولة!
هكذا إذن تكون القربى وروابط الدم، سواء أكانت بين الأشخاص أو حتى الدول، لأن التعاضد يجعل الفرقاء كالجسد الواحد، يستمد قوته من الترابط والتآزر، في مواجهة الشدائد والمصائب.
أخيرًا.. رغم أن ذوي القربى مصدر قوة ومنَعَة وخير وبركة، والسَّنَد والحصن المنيع عند الشدائد والفزع، بمؤازرتهم ومناصرتهم، إلا أنهم في الوقت ذاته قد يكونوا سببًا كافيًا للضَّعف والذِّلة، وبابًا مفتوحًا على مصراعيه للشرّ والضرر، ومصدرًا للإزعاج وعدم الطمأنينة.
فصل الخطاب:
يقول «مارتن لوثر كينج»: «علينا أن نتعلم أن نعيش معًا كإخوة، أو نهلك معًا كحمقى».