رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

بعد تحذيرات شيخ الأزهر

خطر المدارس الدولية

بوابة الوفد الإلكترونية

هل هى مسيرة تنموية

للتعليم أم طمس للثقافة بأهداف سياسية!؟

هكذا كانت ومازالت مصر قوية صلبة ضد أى محاولات لطمس هويتها الثقافية.. ورغم أنها تعرضت للاستعمار سنوات إلا أنها لم تخضع لأى ثقافة استعمارية.. فهل تظل تلك الصلابة فى الحفاظ على الهوية الثقافية أم أن محاولات الخارج ربما تنجح فى تغيير الهوية والعبث فى ثقافتنا المصرية العربية الإسلامية. خاصة مع انتشار المدارس الدولية الخاصة والإقبال عليها.

تحذير

فى تحذير يحمل دلالات قوية، وجه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رسالة مباشرة إلى وزير التربية والتعليم، معرباً عن قلقه من الانجراف المتسارع نحو المدارس الأجنبية والدولية، معتبراً أن هذا التوجه لم يعد خياراً تعليمياً بل تهديداً مباشراً لهوية الأجيال القادمة، ما يتطلب وقفة حاسمة لإعادة الاعتبار للمدرسة الحكومية ودورها فى تشكيل الوعى الوطنى.

خلال لقاء جمعه بعدد من قيادات التعليم، قال الإمام الأكبر إن هناك «تحولاً مجتمعياً مقلقاً» يتمثل فى اتجاه كثير من العائلات، خاصة من النخب والطبقات الوسطى، نحو المدارس الدولية، على حساب التعليم الوطنى الذى طالما كان عماد بناء الشخصية المصرية. وأضاف أن استمرار هذا الميل قد يفرز جيلاً مفصولاً عن جذوره الثقافية والدينية، تربى على مناهج لا تنتمى إلى بيئته، ولا تعكس قيمه أو تاريخه.

وشدد فضيلته على ضرورة مراجعة دور المدرسة الحكومية وإعادة الهيبة إلى المعلم والمؤسسة التعليمية، مؤكداً أن التعليم ليس مجرد تلقين، بل هو أداة لترسيخ الانتماء وتعزيز الهوية، وأن غياب اللغة العربية والدين عن كثير من المدارس الدولية بات أمراً مقلقاً لا يمكن السكوت عنه.

وأشار إلى أن بعض المناهج الأجنبية قد تحمل رسائل غير محايدة، تروج بلباس علمى، لكنها فى جوهرها تسهم فى تغريب الطلاب عن ثقافتهم، داعياً إلى فرض رقابة واضحة على مضمون هذه المناهج، وربطها بمرجعية وطنية تضمن احترام الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع المصرى.

التعليم الحكومى وراء التغريب

من جانبه، قال الدكتور حاتم علام، أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، إن تصريحات الإمام الأكبر تمثل جرس إنذار حقيقياً، مشيراً إلى أن هروب الأسر من التعليم الحكومى يعود إلى تراجع مستواه، سواء من حيث البنية التحتية أو كفاءة المعلمين والمحتوى الدراسى، وهو ما دفع العديد من الأسر إلى البحث عن بدائل أكثر تنظيماً، حتى لو كانت على حساب القيم الأصيلة.

وفى السياق ذاته، أكدت الدكتورة منى الحديدى، أستاذة الإعلام التربوى، أن أزمة التعليم تبدأ من المعلم، الذى فقد خلال العقود الأخيرة كثيراً من مكانته الاجتماعية، ما انعكس على أدائه ودوره فى العملية التعليمية. وشددت على أهمية الاستثمار فى المعلم من خلال تحسين دخله وتدريبه باستمرار على الأساليب الحديثة، ليكون قادراً على المنافسة داخل سوق التعليم.

فى المقابل، يرى بعض المختصين أن التعليم الدولى لا يشكل خطراً فى حد ذاته، لكنه بحاجة إلى ضبط إطاره العام وربطه بثوابت الهوية الوطنية. وأوضح الدكتور مجدى الغزالى، خبير سياسات التعليم، أن المشكلة لا تكمن فى تعدد نظم التعليم، بل فى غياب رؤية موحدة تضمن غرس القيم والثوابت الوطنية داخل كل مؤسسة تعليمية، بصرف النظر عن مرجعيتها أو لغتها.

وأشار الغزالى إلى أن بعض المدارس الدولية أصبحت تقدم ثقافة موازية قد تتناقض تماماً مع ما يدرس فى المنظومة المصرية، ما قد يؤدى إلى نشوء أجيال بلا انتماء واضح أو مرجعية ثقافية راسخة.

استعادة الثقة

دعا الخبراء إلى ضرورة استعادة الثقة فى المدرسة الحكومية، باعتبارها الحاضنة الأساسية للهوية الوطنية، مطالبين بإصلاح شامل فى السياسات التعليمية، ووضع استراتيجية تضمن أن يكون التعليم العام هو الخيار الأول لا الاضطرارى، فى رحلة بناء المواطن المصرى الواعى والمنتمى.

معاناه أولياء الأمور

أولياء الأمور يروون معاناتهم مع التعليم الخاص

وسط زحام المصروفات، وضياع الملامح الثقافية، وجد كثير من أولياء الأمور أنفسهم عالقين بين مطرقة «الجودة الأكاديمية» التى تعد بها المدارس الخاصة، وسندان «الهوية المفقودة» و«الضغوط المادية» التى تزداد عاماً بعد عام، وبين مصاريف باهظة لا تتوقف عند حدود الأقساط، وتراجع واضح فى الاهتمام باللغة العربية والدين الإسلامى، أصبحت رحلة التعليم الخاص بالنسبة للكثيرين رحلة شاقة تفقد مع الوقت معناها التربوى والوطنى.

على مدار سنوات، ظل التعليم الخاص فى مصر يمثل حلماً يداعب تطلعات الكثير من الأسر، بحثاً عن بيئة تعليمية أكثر جودة واهتماماً. لكن هذا الحلم تحول عند كثيرين إلى كابوس ثقيل، حيث أصبحت المصروفات المدرسية تشكل عبئاً مالياً يفوق قدرة الطبقة المتوسطة، ويدفع أولياء الأمور للعمل ليل نهار، أو الاستدانة، من أجل الإبقاء على أبنائهم فى مدارسهم.

خلف محمد، موظف فى الأربعين من عمره، وأب لثلاثة أبناء، يقول إن حياته تحولت بالكامل منذ أن قرر إدخال ابنه الأكبر إلى مدرسة خاصة.

ويتابع: «كنت أظن أننى أستثمر فى مستقبل ابنى، لكننى لم أتوقع أن يستنزفنى الأمر بهذا الشكل. وأعمل فى وظيفتين، وأقوم ببعض الأعمال الإضافية فى المساء، فقط لأغطى مصروفات الدراسة. ومع دخول طفلى الثانى سن التعليم، وجدت نفسى أمام مأزق: هل أستطيع تحمل تكلفة مدرسة خاصة أخرى؟».

هالة عبدالرحمن، موظفة فى هيئة حكومية وأم لطفلتين، تقول: «نضطر أنا وزوجى إلى التخلى عن كثير من احتياجاتنا الأساسية لنبقى ابنتينا فى نفس المدرسة. وكل عام ترتفع المصروفات بشكل مفاجئ، وتضاف بنود جديدة تحت مسميات مثل (أنشطة– تكنولوجيا– دعم إدارى) دون توضيح، ودون قدرة على الاعتراض».

أما عماد عبدالفتاح، موظف فى إحدى شركات القطاع الخاص، فيقول: «اضطررت للاقتراض من البنك لأسدد قسط المدرسة. ما أزعجنى ليس فقط المصروفات، بل طريقة التعامل مع من يتأخر عن السداد. يتلقى الطالب تنبيهات، ويمنع أحياناً من دخول الفصل أو الامتحان. وهذه ممارسات قاسية نفسياً على الطفل قبل أن تكون ضغطاً علينا كآباء».

وطالب «عبدالفتاح» مثل كثير غيره من أولياء الأمور بتدخل حكومى لضبط منظومة التعليم الخاص، من خلال رقابة حقيقية على المصروفات، وشفافية فى عرض الخدمات المقدمة، ووضع آلية لحماية الأسر من الاستغلال.

يستكمل حديثه قائلاً إن شريحة من أولياء الأمور لجأت إلى نقل أبنائها إلى مدارس حكومية، ليس لعدم رغبتهم فى التعليم الجيد، بل لأن الاستمرار فى «دائرة الأقساط» لم يعد ممكناً، متسائلاً: هل سيظل التعليم الجيد فى مصر حكراً على من يملك القدرة المالية؟ أم أن الوقت قد حان لإعادة النظر فى منظومة التعليم الخاص، وتحقيق التوازن بين الجودة والتكلفة، بما يضمن حق الجميع فى تعليم لائق دون أن يدفعوا أعمارهم ثمنًا له؟

«بندفع بالآلاف وولادنا مش بيعرفوا يقروا عربى»

نهى محمود، أم لطفلين فى إحدى المدارس الإنترناشونال بالقاهرة الجديدة، تقول: «اديت المدرسة بشيك 120 ألف جنيه لطفلى الكبير فى كى جى 2، ده غير الباص والكتب والأنشطة. وابنى لا يستطيع قراءة جملة عربى واحدة!». والمدرسة تعتبر اللغة العربية مادة هامشية، وبيتعلموها على استحياء... والدين الإسلامى؟ ولا كأنه موجود فى الجدول، مفيش تعمق، ولا حتى احترام للمناسبة الدينية».

«مصاريف بتكسر الظهر.. ومافيش قيم»

ياسر فوزى، موظف فى شركة خاصة، يحكى أن ابنته فى الصف الرابع الابتدائى بإحدى مدارس الناشونال، وتدفع الأسرة ما يقرب من 85 ألف جنيه سنوياً، «بنحرم نفسنا من كل حاجة عشان نوفر لها تعليم كويس، بس اللى بشوفه بيخلينى أندم. لا فى التزام دينى، ولا أى اهتمام باللغة العربية، وكأن المدرسة بتجهزهم يعيشوا فى مجتمع تانى».

ياسر يشير إلى أن طفلته أصبحت لا تستطيع كتابة جملة سليمة بالعربية، ولا تحفظ آية واحدة من القرآن؛ «كل حاجة بالإنجليزى.. حتى أسئلة التربية الدينية بتتكتب بالإنجليزى!».

هوية تتآكل

منى عبدالسلام، أرملة وأم لثلاثة أبناء، تعمل فى قطاع التعليم، قررت إلحاق ابنتها الكبرى بمدرسة دولية «أملاً فى تعليم حديث»، لكنها سرعان ما صدمت بالواقع؛ «المدرسة بتدرس مناهج أجنبية بالكامل، ما فيش أى محتوى بيعلم الأطفال عن بلدهم، أو دينهم، أو حتى تاريخهم»، وتضيف: «حسيت بنتى بتتعلم تبقى حد تانى غير اللى المفروض يكون مصرى وعربى ومسلم».

الاغتراب داخل بلدنا

عدد من أولياء الأمور عبروا عن إحساسهم بأن أبناءهم يعيشون حالة من «الاغتراب داخل وطنهم»، بسبب تغريب اللغة، وإهمال الهوية الدينية. وقالت سارة محمد، ولى أمر لطالب فى الصف الأول الإعدادى بمدرسة إنترناشونال بالشيخ زايد: «ولادى بيتكلموا إنجليزى حتى فى البيت، وكل ما أطلب منهم يقرأوا قرآن أو يصلوا، ألاقى برود وعدم اهتمام. المدارس دى بتخلينا نشترى تعليم من غير روح».

«تعليم بدون رسالة»

يرى كثير من الأهالى أن المشكلة لم تعد فقط فى ارتفاع التكاليف، بل فى غياب الرسالة التربوية، وانفصال المدارس عن الثقافة المصرية والدين الإسلامى. فبينما تغرق المدارس الدولية فى اللغات والأنشطة، تتراجع أمامها القيم والأخلاقيات والهوية.

ويطالب أولياء الأمور بوجود رقابة فعلية من وزارة التعليم على المحتوى التعليمى فى المدارس الدولية والخاصة، وفرض معايير واضحة لضمان تدريس الدين واللغة العربية بشكل جاد، وليس صورياً، إلى جانب تحديد سقف للمصروفات الخيالية التى ترهق كاهل الأسر دون مردود حقيقى.