رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

 

في زمن اختلطت فيه القيم بالصفقات، وسقطت فيه المبادئ تحت أقدام المصالح، يخرج علينا بين الفينة والأخرى من يروّج لما يُسمى بـ "الحاجة الفلسطينية للاعتراف الدولي"، وكأنّ وجود فلسطين بحدّ ذاته ما زال مطروحًا للنقاش، أو مشروطًا بختمٍ أزرق من عواصم الغرب الاستعماري. السؤال هنا ليس هل تحتاج فلسطين اعترافًا، بل: من أعطاهم الحق أصلاً في منح صكوك الوجود وتصاريح البقاء؟

منذ أكثر من سبعين عامًا، لم تنفكّ الأمم المتحدة تصدر قرارات وتلوّح ببيانات "الإدانة" و"القلق"، حتى تحوّلت القضية الفلسطينية إلى ملف مهترئ يُتداول في قاعات باردة، بينما يُغتال الواقع على الأرض كلّ يوم. أكثر من ١٤٠ دولة اعترفت بفلسطين، فهل أوقفت هذه الاعترافات جرافة إسرائيلية واحدة؟ هل منعت مستوطناً من اقتحام بيت في القدس أو في الضفة أو ردعت جنديًا من إفراغ رصاصة في صدر طفل في غزة؟

الاعتراف الدولي تحوّل إلى أداة ترويض هادئ وتخدير ناعم، تستخدمها الدول الكبرى لإيهام الفلسطينيين أن الحل قادم، بينما تقضم إسرائيل الأرض شبراً شبراً. والأدهى أن بعض "الاعترافات" المشروطة تحمّل الفلسطيني مسؤولية الاحتلال، وتطالبه بـ "وقف العنف" و"العودة إلى المفاوضات" مع غاصبه وسجّانه وجلاده.

ثم لنسأل: هل احتاجت إسرائيل نفسها إلى اعتراف دولي كي تمارس إرهابها؟ هل انتظرت موافقة المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة قبل أن ترتكب المجازر وتقتل مئات الألاف من الأطفال، والنساء، والعجائز والأبرياء؟ على العكس، كلما أمعنت إسرائيل في القتل، زاد الدعم الغربي لها، مالًا وسلاحًا وغطاءً سياسيًا.

فلسطين لا تحتاج إلى اعتراف أحد، لأنها أقدم من كل الكيانات التي أنشأها المُستعمر في عجالة. فلسطين موجودة في عمق التاريخ وصميم الجغرافيا، في القلوب والمآذن، والكنائس، وفي ذاكرة الأرض، وفي حقول الزيتون وأنين الأسرى وآهات الجوعى ودماء الشهداء وفي شريان الوطن. من يحتاج إلى الاعتراف هم المحتلون الصهاينة، الغرباء عن الأرض والتاريخ، لا أصحاب الحق الشرعيين.

المعركة ليست معركة "شرعية قانونية" بقدر ما هي صراع على الهوية والعدل والاستحقاق، ومن السذاجة أن يُختزل الوجود الفلسطيني في قرار أممي أو تصويت شكلي. الكفاح الفلسطيني لم يكن يومًا طلبًا للاعتراف، بل نضالًا من أجل التحرير الكامل، من النهر إلى البحر.

خلاصة القول: فلسطين لا تحتاج إلى اعتراف دولي. هي بحاجة إلى سواعد لا تخون، وبنادق لا تساوم، وضمائر لا تُباع. الاعتراف الحقيقي هو حين تشرق شمس الحرية على القدس، بلا تنسيق أمني، وبلا شعارات كاذبة، وبلا رايات مزيفة، وبلا احتلال.