عبدالوهاب من مسجد «الشعرانى» إلى سيد الموسيقى

كان أثر القرآن الكريم على غناء وموسيقى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أعمق مما يظن الذين يرونه مال بفنه ناحية الغرب، ليحذو حذوهم فى التطوير، ورغم أنه فعل ذلك فإن أثر حفظ القرآن له وهو صغير بكُتّاب بحى باب الشعرية محفور فى عمق غناء وموسيقى «عبدالوهاب»، وكذلك لنشأته مع والده بمسجد «الشعرانى»، ولسماعه قراءة القرآن والابتهال والتوشيح أثر اعترف به «عبدالوهاب» بنفسه، حين لحن رائعته «يا سماء الشرق»، فقال: إن بداية الغناء فى هذا اللحن تتشابه مع ما كان يسمعه من ترتيل لسورة «الضحى» بمسجد «الشعرانى»، فحذا حذو ما يتلى.
وكان «عبدالوهاب» حريصًا على التتلمذ على أيدى كبار مشايخ القرآن الكريم أمثال الشيخ على محمود الذى علم «عبدالوهاب» علوم المقامات الموسيقية وأبعادها، وكذلك كان «عبدالوهاب» حريصًا على التتلمذ على يد الشيخ محمد رفعت، الذى كان يجلس تحت قدميه وبصحبته يتعلم منه علوم الأداء النغمى والتصوير المقامى، وقد حكى لى الشيخ أبوالعينين شعيشع أنه ذات يوم كلمه «عبدالوهاب» يريد لقاءه، فذهب لملاقاته بمكتبه بوسط ، وسأله: أين تعلمت المقامات الموسيقية التى تقرأ بها؟ فقال له: إنها فطرة، وقد كان «عبدالوهاب» حريصاً كذلك على حضور حفلات الشيخ مصطفى إسماعيل، وكلما ذهب لمناسبة ذهب وراءه «عبدالوهاب».
وذكر لى د. عبدالمنعم تليمة أنه التقى الاثنان «عبدالوهاب» والشيخ مصطفى إسماعيل ببيت «عبدالوهاب» فظلا يقرءان سورة «الضحى» حتى مطلع الفجر كل منهما يجودها بصوته وطريقته، ومما ذكره لى كذلك د. أحمد نعينع أن «عبدالوهاب» كان يدعوه لمجلسه كل خميس ببيته بالزمالك، ومرة قرأ الشيخ نعينع ما تيسر فقام «عبدالوهاب» وجلس على البيانو يعزف فقال «نعينع»: ماذا تعزف؟ فقال له ما قرأته، فما دمتم أنتم تقرأون فإنا نلحن. إن ارتباط صوت «عبدالوهاب» بتأديته المدهشة المعجزة، وكذلك موسيقاه المبهرة لا ينفك هذا الارتباط عن روح قراءة القرآن الكريم ومدارس تجويده وترتيله، ورغم أنه اختتم مشواره الغنائى بغناء الأغنية الدينية «لبيك اللهم لبيك»، إلا أن ألحانه الدينية كانت قليلة والسبب فى ذلك كما يقول «عبدالوهاب» إن القرآن الكريم ذات يغنينا.