هَذَا رَأْيِى
مصر، صاحبة الدور التاريخى فى القضية الفلسطينية، اختارت كعادتها لغة الدبلوماسية الهادئة، فمن يقرأ السياسة المصرية جيدًا، يعرف أن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلم.
مصر تدرك أن أولية إيصال مساعدات غذائية ومواد إغاثية ودواء لأهل غزة، ووقف حرب الإبادة الجماعية هو الأولية لدى شعب غزة.. مصر تدرك أن هذا الوقت ليس وقتًا لتسجيل مواقف أو الدخول فى جدل كلامى يؤثر على الجهود المضنية التى تُبذل لإنقاذ أهل غزة.. مصر تدرك أن الخيارات لدى فصائل المقاومة محدودة.. النافخون فى الكير فاتهم أن سياسة مصر العاقلة الراشدة، لا يمكن جرجرتها فى هذا الوقت الحرج لمصير القضية الفلسطينية لمعارك كلامية.
ردًا على تصريحات خليل الحية قائد حماس فى غزة أو غيره.. مصر دعمت وتدعم، وستدعم القضية الفلسطينية، ومستمرة فى أداء دورها كوسيط نزيه بين الفصائل الفلسطينية، دون انحياز. هذا الموقف الثابت لم تهزه تصريحات سياسية أو عسكرية، بل عززته مصر برعايتها للمفاوضات الشاقة مع عدو متغطرس وداعميه الذين يردون تصفية القضية الفلسطينية، لذلك، فإن تصريحات حماس الأخيرة- رغم حدتها- لم تغيّر من ثوابت مصر شيئًا، لكنها دفعتها لإعادة التأكيد على موقفها الرسمى والثابت من القضية
الفلسطينية وفى القلب غزة وشعبها.. مصر ردت ببيان عاقل رشيد معبرًا عن سياسة مصر الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، رافضة لأى تصعيد يُعقّد حلحلة الأمور ويقضى على فرص الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية وإنهاء معاناة أهل غزة.
فى أروقة القرار والرد المصرى، يُفهم أن أى تصعيد لفظي من قبل الفصائل، لا سيّما فى توقيت حساس كالذى تمر به غزة الآن، قد يُفسَّر بأنه محاولة لحشد الجماهير على حساب التهدئة، وهو ما يتعارض مع جهود القاهرة وقطر المضنية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتوصيل المواد الغذائية والإغاثية، ومن هنا، جاء الرد المصرى حذرًا ومدروسًا: لا تأييد ولا هجوم مباشر، بل تشديد على «أهمية ضبط النفس وتجنب التصعيد الإعلامى الذى لا يخدم سوى تعقيد المشهد».. مصر حريصة على توصيل رسالتها عبر قنوات لا منابر.. موقف مصر بين الدعم والتحذير.. مصر تدرك حساسية الموقف، وتدرك أن دورها بالغ الدقة فى وساطة داعمة لا متورطة لتضمن الوصول إلى حلول مع عدو متغطرس ليس لغطرسته حدود.. مصر محاور قوى لا تابع.. وفى كل مرة تخرج فيها تصريحات مثيرة للجدل من غزة، تختار القاهرة الطريق الأصعب ألا وهو طريق العقل والحكمة.. فهل ستلتقط حماس الرسالة غير المعلنة؟
وهل يدرك الجميع أن مواقف مصر، وإن بدت صامتة، فهى تصنع توازن المنطقة بأكملها وهذا هو دور مصر ومكانتها.. اختارت مصر أن تصمت.. لكن، أيُّ صمتٍ هذا؟ إنه صمتُ مَن يعرف حجم النار، ومَن يحمل على كتفيه قضية لم تكن يومًا بعيدة عن القلب..مصر ليس من عادتها ولا سياستها الصراخ.. مصر لا تتاجر بالقضية الفلسطينية، بل تحتضنها.. مصر لا تقف فى صفّ فصيل، بل فى صفّ شعبٍ يسكنها كما تسكنه.
منذ عقود، وغزة تعرف يد مصر حين تُقفل كل الأبواب، ومعبر رفح شاهدًا على أن القلب لا يُغلق.
وحين تتفرق الساحات وتشتعل، تكون القاهرة أول من يمدّ يد التهدئة، لا بالكلام.. بل بالفعل، ولذلك، لم تكن بحاجة للردّ على الكلمات والتصريحات القامة من غزة، فهى تُدرك أن مَن يحمل السلاح أحيانًا لا يسمع، وأن الشعوب التى تدفن أبناءها كل يوم، لا تحتمل مزيدًا من الصراخ. مصر لا تُصفّق للضجيج، ولا تتغذى على الخطب. هى تعرف أن الطريق إلى القدس لا يُمهَّد بالمزايدات، بل بالوحدة، والصبر، والعقل، والعمل.
فى النهاية، قد لا تفهم بعض العقول لُغة الصمت، لكن التاريخ يفهم، والأرض تفهم، وغزة تفهم.