رئيس دائرة شئون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية لـ«الوفد»:
ﻣﺼﺮ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺼﻮت اﻟﺪاﻋﻢ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﺒﻘﺎء اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻰ

«المدينة الإنسانية» مصيدة للموت ومخطط تهجيرى بغطاء إنسانى كاذب
«الأونروا» خط الدفاع الأول.. وعودتها هى الحل الوحيد لمواجهة التهجير القسرى
الاحتلال يتعامل مع وكالة الإغاثة كمنظمة إرهابية لتصفية قضية اللاجئين
فى زمنٍ تاهت فيه الضمائر واشتد فيه الحصار على شعب لا يملك من الحياة سوى الكرامة، تقف غزة اليوم وحيدة.. شعب يُباد ببطء، تحت نار الطائرات وجوع الحصار، تغلق عليه أبواب الأرض، بينما تستغل إسرائيل فوضى الحرب لتسويق مشاريع تهويدية ومخططات «إنسانية» ظاهرها الرحمة وباطنها التهجير القسرى ومحو الوجود.
فى حوار حصرى لـ«الوفد»، يكشف أحمد أبو هولى، رئيس دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، خبايا ما يعرف بـ«المدينة الإنسانية» فى رفح، ويصفها بأنها «مصيدة موت» تخفى وراءها نوايا تهجير قسرى. كما يوضح كيف تحولت وكالة الأونروا – التى تغيث ملايين اللاجئين – إلى هدف مباشر فى الحرب.
ويقف «أبو هولى» فى مواجهة ما يصفه بـ«النكبة الجديدة»، مسنودًا بدور قوى لمصر التى وصفها بصاحبة الأيادى البيضاء، مؤكدا دورها المحورى فى كسر الحصار عن غزة بإدخال المساعدات، ودعم الموقف الفلسطينى فى كل المحافل الإقليمية والدولية، لا سيما فى المؤتمر الدولى القادم بنيويورك.
الحوار يستند أيضا إلى فعاليات مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية المضيفة، فى دورته الـ113، الذى انعقد فى مقر الجامعة العربية، وناقش أبرز تحديات المرحلة، من تجديد التفويض للأونروا، إلى إيجاد شبكة أمان عربية، وصد الهجمة الإسرائيلية على الوجود الفلسطينى التاريخى.
من القاهرة إلى نيويورك، ومن الجامعة العربية إلى ساحات المعارك الإنسانية، يؤكد «أبو هولى» أن الوفاء لا يشترى بالمساعدات من السماء، بل يصان بكرامة العودة، وعدالة القضية، وشرايين الدعم العربى الصادق الذى تمثله مصر بامتياز، الحاضنة لكل ألوان الطيف الفلسطينى، والمدافعة بثباتٍ وعروبةٍ ودمٍ عن الحق الفلسطينى.. وإلى نص الحوار:
< هل هناك توصيات خلال الاجتماعات الأخيرة بالجامعة العربية لمواجهة «المدينة الإنسانية» التى يروج لها الاحتلال الإسرائيلى؟
- ما يسمى «المدينة الإنسانية» ليست مدينة كما يروج لها، بل هى سجن كبير يُراد لشعبنا الفلسطينى أن يُحشر فيه. هذا المشروع الذى يجرى التخطيط له فى مدينة رفح ليس إلا أداة لابتزاز الناس فى لقمة عيشهم، فى المأكل والمشرب.
لدينا قلق حقيقى من أن تكون الخطوة التالية بعد إقامة هذه المدينة هى تهجير أهل غزة خارج فلسطين. هذا المشروع ليس إنسانيًا، بل احتلال جديد بأساليب جديدة، يقوم على التجويع والتعطيش كسلاح مباشر.
< ما الطريق الأقصر فى رأيكم لكسر هذا السيناريو الخطير؟
- كما ناقشنا فى مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين، فإن الطريق الأقصر هو عودة الأونروا لممارسة مهامها كاملة فى قطاع غزة. هذه الوكالة ليست طارئة، بل تمتلك تاريخًا يزيد عن سبعة عقود وأربعة أعوام من العمل فى غزة، وهى الضمانة الإنسانية والقانونية الوحيدة للاجئين.
كل المسميات الأخرى مثل «المدينة الإنسانية» أو «مصائد الموت» أو «الميناء العائم» لا قيمة لها. بل حتى إنزال المساعدات من السماء، رغم ترحيبنا بها إنسانيًا، ليست حلاً. هى مجرد وصفات فاشلة لا تغنى ولا تسمن من جوع.
هذا المشروع الذى يدعى «المدينة الإنسانية» ليس إلا سجنًا جديدًا باسم الرحمة. الاحتلال يسعى لحشر أهل غزة فى بقعة واحدة وتقديمها للعالم على أنها حل إنسانى، فى حين أنها فى الحقيقة مرحلة تمهيدية لتهجير جماعى منظم. نحن نحذر من هذه الخدعة. ما يسمى بـ«مؤسسة غزة الإنسانية» هى الوجه الآخر للعدوان، تستدرج الناس إلى مصائد الموت اليومية.
< هل هناك خطوات لتفعيل قرارات المؤتمر بشأن الأونروا رغم التحديات التى تواجهها من قبل الاحتلال؟
- نعم، مؤتمر المشرفين يعمل على ثلاثة اتجاهات: أولا تجديد التفويض لوكالة الأونروا لمدة ثلاث سنوات وفقًا لقرار إنشائها رقم 302.
ثانيا: معالجة الأزمة المالية للأونروا، من خلال خطة لطلب دعم من دول جديدة قادرة على التمويل، إلى جانب مطالبة الدول العربية بالالتزام بمساهماتها.
ثالثا: عودة الأونروا إلى العمل بشكل كامل داخل فلسطين، وهذا ما نواجه فيه تحديًا كبيرًا لأن الاحتلال الإسرائيلى يتعامل مع الأونروا كأنها «منظمة إرهابية».
لقد دمر الاحتلال مقرات الأونروا فى غزة، استهدف موظفيها، أصدر قوانين لمنع عملها فى القدس، ودمر العديد من المخيمات فى الضفة الغربية. لذلك نطالب العالم بالوقوف مع هذه المنظمة الدولية.
< ما رسالتكم للعالم بشأن الأونروا؟
- نقول بوضوح: الأونروا ليست منظمة فلسطينية أو عربية، بل هى منظمة دولية أُنشئت بموجب قرار 302 لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين حتى إيجاد حل سياسى عادل وفقًا لقرار 194.
العالم مطالب اليوم بالدفاع عن هذه المنظمة؛ لأنها تمثل المسؤولية الدولية عن قضية اللاجئين.
< وماذا عن الموقف العربى؟ وهل هناك إجماع؟
- نعم، الدول المضيفة، وعلى رأسها مصر وجامعة الدول العربية، تمتلك خطابًا موحدًا، ورؤية واضحة لا خلاف حولها. نحن نعمل على وقف حرب التهجير الجماعى، ونعمل على عودة الأونروا إلى عملها بشكل أكبر وأقوى فى مناطق عملها، سواء فى فلسطين أو لبنان أو سوريا أو الأردن.
< كيف ترون دور مصر فى دعم القضية الفلسطينية فى هذا التوقيت؟
- مصر تتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق وطنى وقومى وعروبى، وتحتضن كل ألوان الطيف الفلسطينى لتوحيد كلمتنا فى مواجهة الاحتلال.
مصر أياديها بيضاء فى هذه القضية.. وتشعر بخطورة ما يجرى فى غزة، والضفة، والقدس، وتعمل ليل نهار.
نحن ننسق معها على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
ودور مصر محورى فى المؤتمر الدولى القادم فى نيويورك نهاية هذا الشهر، وهى تمارس ضغوطًا حقيقية على الاحتلال لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات عبر معبر رفح.. مصر كانت ولا تزال وستظل الركيزة الأساسية فى دعم القضية الفلسطينية، فهى صاحبة دور تاريخى فى الماضى والحاضر والمستقبل.
< أشرتم إلى مسألة تجديد تفويض الأونروا.. هل هناك خطة واضحة لتقديمها إلى الأمم المتحدة قبل انقضاء مدتها؟
- نعم، بدأنا العمل مبكرًا، لأنه يجب تجديد التفويض قبل 6 أشهر من انتهاء المدة. وسيُعقد اجتماع مهم فى سبتمبر القادم فى اللجنة الرابعة للجمعية العامة بالأمم المتحدة لمناقشة هذا الملف.
نحن، كدول مضيفة، نتحرك على مستويين الأول: حشد دعم سياسى قوى للتصويت لصالح الأونروا، والثانى: ترجمة هذا الدعم السياسى إلى دعم مالى فعلى.
الخطة أن يتم تجديد تفويض الأونروا لتستمر حتى 30 يونيو 2029، وهو هدف استراتيجى سنعمل عليه بكل جهد مع شركائنا فى الدول العربية والدول الصديقة.
< فى جلسة مجلس الجامعة العربية الطارئ الأخير، وصفتم ما يجرى فى فلسطين بأنه حرب إبادة حقيقية.. ما طبيعة هذه الحرب؟
- ما يجرى اليوم فى غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه مخطط إبادة شامل، يتم فيه استخدام الجوع والدمار والتجويع كسلاح. القطاع شبه مدمر بالكامل، مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والنازحين، والمؤسسات مهدمة، والمساعدات ممنوعة. الاحتلال لا يستهدف فقط الإنسان الفلسطينى بل يستهدف وجوده برمّته، جغرافيًّا، ومؤسساتيًّا، وثقافيًّا، حتى لو كانت الوسيلة تحت لافتة «إنسانية».
< هل هناك بديل واقعى قادر على كسر هذا السيناريو التهجيرى؟
- نعم، البديل الحقيقى هو عودة وكالة الأونروا بقوة إلى غزة والقدس وكل الأراضى الفلسطينية. هذه وكالة دولية وليست فلسطينية، ووجودها هو صمام أمان قانونى وسياسى لقضية اللاجئين. الاحتلال دمّر أكثر من 80% من مقراتها، وقتل 330 موظفًا، وصادر صلاحياتها، وأصدر قوانين تمنعها من العمل فى القدس. ويريد إنهاء وجودها نهائيًا، ونحن نطالب بدعم سياسى ومالى فورى لها.
< تحدثتم عن تهويد الأماكن المقدسة، وخصوصًا الحرم الإبراهيمى.. كيف ترى هذا التصعيد؟
- الاحتلال نقل صلاحيات الإشراف على الحرم الإبراهيمى من بلدية الخليل إلى ما يُسمى «المجلس الدينى اليهودى»، وهذا عدوان سافر على الحق الدينى والتاريخى والقانونى للشعب الفلسطينى. إنه ليس إجراءً إداريا، بل هو جزء من مشروع تهويد شامل تقوده حكومة إسرائيلية متطرفة تُدار بتحالفات عنصرية، وتهدف لفرض سيادة دينية يهودية بالقوة على المقدسات الإسلامية.
< وماذا عن المسجد الأقصى والقدس؟
- المسجد الأقصى يُستهدف كل يوم، ليس فقط بالتقسيم الزمانى والمكانى، بل بالاعتداء المباشر على المصلين. تم إغلاق المدارس، ومؤسسات الأونروا، والمقر الرئيسى فى الشيخ جراح. حتى المفوض العام للأونروا، السيد لازارينى، مُنع من دخول فلسطين. هناك قرار إسرائيلى صريح بإنهاء الأونروا بعد هذه الحرب. هذا مسار متكامل لقتل التاريخ والهوية الفلسطينية فى القدس.
< حذرت من مجاعة مزمِنة فى غزة.. هل يكفى ضخ المساعدات دون هيكل إغاثى مستقل؟
- نحن فى مواجهة مجاعة فعلية. الاحتلال يمنع دخول الغذاء، الدواء، والمساعدات العاجلة. وهناك خطر حقيقى بسقوط آلاف الضحايا بسبب الجوع، وليس فقط بفعل القصف. نحن نطالب بتحرك عربى ودولى فورى لفتح المعابر، وإدخال المساعدات، وبدء عملية الإعمار. لا يمكن ترك غزة تموت تحت أنقاضها.
إسرائيل تحول وصول الغذاء إلى لعبة قتل. نحتاج ضغطًا عربيا وعالميا لإجبارها على فتح المعابر فورًا، وإعادة إعمار القطاع الذى دمر بنسبة ٩٠٪. لكن الأهم: توفير «شبكة أمان» عاجلة بقيمة ١٠٠ مليون دولار لإنقاذ السلطة من الانهيار بعد قرصنة أموالنا.
< وصفت وزير المالية الإسرائيلى فى كلمتكم بالجامعة العربية بأنه «يقرصن الملايين لخنق السلطة».. كيف تواجهون اختطاف اقتصاد وطن؟
- شخص واحد يستولى على أموال شعب بأكمله! هذه قرصنة قانونية تقوض أى فرصة للسلام. المطلوب موقف عربى حازم: إما إطلاق أموالنا، أو مقاضاة إسرائيل فى المحاكم الدولية، ومقاطعة كل جهة تتعاون مع هذه السرقة.
الاحتلال، عبر وزير ماليته، يقوم بقرصنة منظمة للأموال الفلسطينية، يمنع تحويل مستحقاتنا من العائدات الضريبية، ليخنق السلطة ويدفعها نحو الانهيار. نحن لا نتحدث عن تصرف فردى بل عن سياسة ممنهجة.
< أخيرًا، هل ما زلتم ترون أملًا فى الدعم العربى والدولى فى ظل هذا المشهد القاتم؟
- نعم، لأننا نؤمن بأن الحق لا يموت، وأن هناك قوى عربية صادقة، وفى طليعتها مصر صاحبة الأيادى البيضاء، تقف معنا بقوة. نراهن على أصوات الشعوب، وعلى مواقف حرة فى العالم، وعلى الوعى الإنسانى الذى بدأ يدرك أن ما يجرى فى فلسطين ليست حربًا عادية.. بل حرب إبادة يجب أن تتوقف فورًا.
البيانات والخطابات العربية والدولية الداعمة لفلسطين، لابد أن تتحول إلى قرارات وخطط تنفيذية. لا نحتاج إلى مزيد من العبارات التضامنية، بل إلى تحركات دبلوماسية، سياسية، وقانونية لوقف الإبادة، لحماية المقدسات، وإجبار الاحتلال على احترام القانون الدولى الذى يقف أمام لحظة تاريخية: إما أن ينتصر للقضية الفلسطينية.. أو يفقد مصداقيته فى عيون الشعوب.

- الخطابات العربية والدولية الداعمة لفلسطين
- شبكة أمان
- الهجمة الإسرائيلية
- شئون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية لـ الوفد
- رئيس دائرة شئون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية
- معركة البقاء الفلسطينى
- الصوت الداعم فى المحافل الدولية
- منظمة إرهابية لتصفية قضية اللاجئين
- الوفد
- منظمة التحرير الفلسطينية
- المعارك الإنسانية
- الجامعة العربية