الرقابة الإدارية تكشف المستور.. وزارات تتحول إلى أوكار فساد
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة المصرية إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة عبر رؤية 2030، تبرز آفة الفساد كأحد أخطر التحديات التي تُقوّض هذه الجهود وتُفرغها من مضمونها. إذ لا تنمية حقيقية في ظل إدارة مهترئة، ولا استثمار في ظل بيئة غير نزيهة، ولا عدالة اجتماعية حين تُنهب الموارد بلا رقيب.
وبعد مرور أكثر من عقد على ثورة 25 يناير، التي كانت شعاراتها الأساسية “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”، لا يزال المواطن المصري يصطدم كل يوم بجدران الفساد في المصالح الحكومية، بل ويزداد المشهد تعقيداً، حيث يتغلغل الفساد في مفاصل الدولة بدرجات قد تفوق ما كان عليه قبل الثورة..الثورة التي اندلعت ضد فساد استشرى لثلاثة عقود، رفعت آمال المصريين في بناء دولة تحكمها النزاهة وسيادة القانون.
غير أن الواقع الحالي يطرح تساؤلات صادمة: لماذا لم يتراجع الفساد؟ بل لماذا تضاعف في بعض المؤسسات!؟..ويتخذ الفساد أشكالاً متعددة داخل المصالح الحكومية، تبدأ من "التوقيع مقابل المال" ولا تنتهي عند "الموظف الشبح" و"المنصب مقابل الولاء" حتي أصبحت الرشوة الصريحة أو المقنّعة، سلوكاً يومياً للحصول على خدمة من حق المواطن، أما المحسوبية والوساطة، فغالباً ما تسبق الكفاءة والمؤهل في التعيينات والترقيات...وتكمن الخطورة في أن الفساد لم يعد مجرد سلوك فردي، بل تحوّل إلى منظومة متكاملة، تمتد من الموظف البسيط إلى الإدارات العليا، وبتواطؤ غير معلن بين أطراف من داخل الجهاز الإداري.
أكد خبراء ومتخصصون للوفد " أن الفساد يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على جميع مظاهر التنمية كالاقتصاد والاستثمار حيث يطرد الفساد المستثمر الجاد، ويجذب المستثمر الفاسد الذي يبحث عن الصفقات المشبوهة والامتيازات غير القانونية.
كما يؤدي إلى رفع تكلفة تنفيذ المشروعات العامة من خلال الرشوة، والغش في المقاولات، والتحايل في المناقصات كذلك الخدمات العامة آلتي تضعف جودة التعليم، والصحة، والنقل، والإسكان، نتيجة إهدار المال العام وسوء اختيار الكوادر. كما تُهدَر الموارد المخصصة للفقراء، ما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية كذلك البنية التحتية كفساد التوريدات والمناقصات بها الذي يؤدي إلى تنفيذ مشروعات غير مطابقة للمواصفات أو تنهار سريعاً، ما يهدر مليارات الجنيهات ويفقد المواطن الثقة في الدولة ، حتي امتد الفساد الي منظومة العدالة الاجتماعية وهو اخطرهم حيث تنتشر المحسوبية في التعيينات والترقيات والدعم، مما يولد شعوراً بالظلم واللا مساواة، ويزيد من الإحباط العام ويؤجج مشاعر الغضب الشعبي ، لذلك أطلق الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد لأول مرة عام 2014، ثم تم تحديثها في 2019 لتواكب التحديات المتزايدة.
ورغم أهمية هذه الوثيقة، إلا أن تفعيلها على أرض الواقع لا يزال يواجه تحديات كثيرة فشلت الحكومه في تفعيلها ، ففي مفارقة موجعة، يتحول المواطن البسيط من ضحية الفساد إلى أحد أطرافه، لا رغبةً في الإفساد، بل اضطرارًا للنجاة وسط منظومة خدمات حكومية تُعاقبه.
والدولة التي وعدت بحياة كريمة للفقراء، باتت تطاردهم في أبسط حقوقهم: التعليم المجاني، مكان للترفيه، حتى الجلوس على رصيف النيل... لم يعد مباحًا دون دفع، تتبنى الحكومة المصرية، في السنوات الأخيرة، سياسة غير معلنة عنوانها: "ادفع مقابل كل شيء".
لا تعليم مجاني، لا علاج بلا شروط، لا كورنيش للفقراء، لا خدمات بدون رسوم باهظة... وحتى ما كان يُعد ملكًا عامًا للبسطاء، أصبح الآن محتكَرًا لمصالح تجارية أو طبقات ثرية، وتحولت المدارس الحكومية إلى رماد بلا جودة، فيما تُفتح أبواب الاستثمار أمام المدارس والجامعات الخاصة والدولية. وأصبح على ولي الأمر إما دفع آلاف الجنيهات سنويًا، أو التسليم بمستقبل ضائع لأبنائه في نظام حكومي هش ، مثلاً فقد كان كورنيش النيل لسنوات طويلة هو المنفس الوحيد للبسطاء، والأمل الأخير لعائلة فقيرة تبحث عن لحظة هدوء أو نزهة مجانية. أما اليوم، فقدانتشرت الأكشاك الفندقية والمقاهي الاستثمارية وتم طرد بائعي الترمس والذرة والفول البلدي، تحت ذريعة "المظهر الحضاري" ، ووضعت حواجز وأسوار تمنع المواطن من الجلوس على رصيف النيل دون مقابل ، وتحول الكورنيش من حق عام إلى مشروع ربحي مغلق، لا يدخله إلا من يملك، ويُمنع منه من يحتاج ، وأيضا من دعم مرفوع، إلى ضرائب ورسوم جديدة، إلى خدمات مشروطة بالمال ، وأصبح المواطن الفقير لم يعد يشعر أن هذه الدولة تمثله ، بل يشعر أن كل مؤسساتها أصبحت تعمل لصالح فئة رجال الأعمال والاغنياء واباطرة الاستثمار في مصر.
تقارير رقابية
في ظل محاولات الدولة ترسيخ مبدأ الشفافية والنزاهة، كشفت هيئة الرقابة الإدارية خلال الشهور الأخيرة عن سلسلة من أخطر قضايا الفساد داخل وزارات وهيئات حكومية، والتي تهز العروش تكشف حجم التغلغل الشبكي للفساد، من أعلى المسؤولين إلى أبسط الموظفين ، كان اخطرهم الفساد في مخالفات البناء والتصالح المتورطون ١٦مسؤولًا بينهم سكرتير عام مساعد، ورؤساء أحياء. بغرض تسهيل التصالح على مخالفات بناء غير قانونية، والتلاعب في التاريخ لتسجيل المخالفات على أنها "قديمة" ، ادي إلي خسائر بملايين الجنيهات لصالح جيوب الفاسدين و رشاوى مالية، شقق فاخرة، منافع عينية ضخمة،كما كشفت الرقابه الاداريه عن شبكة فساد بوزارة الري بها قياديون ومحامون ومسؤولو مشروعات، لتسهيل صرف مستخلصات مالية لشركات مقاولات مقابل فيلات فاخرة ومبالغ نقدية.
وكشفت عن تورط 18 موظفًا بوزارة الطيرات استولوا على العملة الصعبة بوزارة الطيران المدني. من خلال بيع العملات الأجنبية المحصلة من المسافرين في السوق السوداء، وإيداع المقابل بالجنيه في خزينة الدولة للاستفادة من الفارق قرابة مليون دولار ، وفي وزارة التموين كشف الرقابه عن تورط وكيل وزارة ومسؤولون ، قاموا بصرف كميات كبيرة من "الردة " بدون مستندات رسمية، وبيعها في السوق السوداء لتحقيق ربح غير مشروع مبلغ 2.2 مليون جنيه ، كذلك كشفت الرقابه الاداريه عن وجود فساد في صيانة سيارات بعض التقارير تورط فيها مدير علاقات عامة، مالكو مراكز صيانة.
حيث حصل المدير على عمولات منتظمة من مراكز صيانة مقابل اعتماد فواتير وهمية أو تضخيم الأسعار من خلال نهب المال العام تحت ستار الصيانة الدورية، ومحاباة شركات بعينها الي غيرها من القضايا الخطيرة ، ولا ننسي قضية الفساد الكبري في وزارة الزراع تمس الأمن الغذائي القومي ، الذي تورط فيها الوزير شخصيا ففي غضون شهر سبتمبر 2015 ألقت هيئة الرقابة الادارية القبض على الدكتور صلاح هلال وزير الزراعة الأسبق ومدير مكتبه محي محمد سعيد والوسيط محمد فوده، بعد دقائق فقط من تقديمه استقالته بناء على توجيهات من الرئيس السيسي ،وأن عملية القبض علي الوزير تمت فى قلب ميدان التحرير عقب خروجه من مجلس الوزراء حيث قامت قوة من ضباط الهيئة بتوقيف سيارته وضبطه وبعرضة على النيابة العامة قررت حبسة واخرين بالقضية رقم 673 لسنة 2015 حصر أمن دولة العليا، والخاصة بطلب حصول وزير الزراعة ومدير مكتبة على هدايا عينية وطلب بعض العقارات من رجل أعمال مقابل تقنين إجراءات مساحة أرض قدرها 2500 فدان فى وادى النطرون.
قال الدكتور ياسر الهضيبي سكرتير عام حزب الوفد و المتحدث الرسمي باسم الحزب بأن مواجهة الفساد في المصالح الحكومية باتت أولوية قصوى، خاصة في ضوء التقارير الصادرة عن هيئة الرقابة الإدارية، والتي كشفت عن تورط عدد من المسؤولين في قضايا فساد تمس المال العام ومصالح المواطنين.

وأكد الهضيبي أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي وضعت أسسًا واضحة وجادة لمكافحة الفساد من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تمثل إطارًا شاملًا لتعزيز الشفافية، وتحقيق النزاهة، وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة في كافة مؤسسات الدولة ، مشددا على أن تفعيل هذه الاستراتيجية يتطلب العمل على عدة محاور، أبرزها: تحديث النظم الإدارية والرقابية داخل الجهات الحكومية، لضمان الكشف المبكر عن أي ممارسات فاسدة، وتطبيق مبدأ المساءلة على الجميع دون استثناء، مهما كانت المناصب ، كذلك دعم دور الأجهزة الرقابية والتشريعية لضمان سرعة التحقيق والحسم في قضايا الفساد واستخدام التكنولوجيا والتحول الرقمي كوسيلة للحد من التدخل البشري وتقليص فرص التلاعب ، واهمها تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية لدى الموظفين العموميين، وتكثيف برامج التوعية المجتمعية ، وأضاف سكرتير عام الحزب أن مكافحة الفساد ليست مسؤولية الحكومة فقط، بل هي قضية وطنية تستوجب تضافر كافة الجهود ، واختتم الهضيبي تصريحه مؤكدًا أن الدولة المصرية لن تتهاون مع أي مسؤول يثبت تورطه في الفساد، وأن مسيرة الإصلاح مستمرة بإرادة سياسية حاسمة، تستهدف بناء دولة قوية قائمة على سيادة القانون والنزاهة والعدالة.
وأضاف المهندس حسام محرم النقابي والخبير السياسي و المستشار الأسبق لوزير البيئة أن جهود الرقابة الإدارية ازدادت خلال السنوات الأخيرة في قطاعات متعددة، وانه من واقع تجربتي مع شبكة الفساد منذ أكثر من ٢٠ سنة والتي وصلت إلي حد محاولة القتل والاستهداف الممنهج الممتد، ومن واقع تجارب رموز وطنية كبيرة مثل اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق في رصد شبكات المخدرات والفساد في الثمانينيات، ويري " محرم" أن خطورة الفساد علي مصر أكبر بكثير من خطورة الإرهاب عليها، مطالبا بتطوير وتحسين فاعلية جهود مكافحة الفساد لأنها الشق المتعلق بجمع وتحليل المعلومات الغزيرة وتوظيف ٱليات الذكاء الصناعي في تحليل تلك المعلومات ومن ثم استخدامها في طرح التقارير والحلول ووضعها علي مائدة الدراسة في الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد. مشبرا إلي تعظيم قدرات العمل المعلوماتي السري لهيئة الرقابة الإدارية إلي أقصي حد ممكن علي غرار جهاز المخابرات العامة نظرا للتطور الهائل عالميا ومحليا لأنماط جرائم الفساد .
وأضاف أن في العقود الأخيرة بعد أن تشكلت شبكات منظمة لإدارة وحماية الفساد والجريمة المنظمة والشللية والمصالح غير المشروعة وغسيل الأموال القذرة ، هناك أطراف أجنبية تدعم الفساد والجريمة المنظمة والارهاب في مصر وتعتبر أن ذلك بمثابة أمن قومي لها لضمان تكامل الفساد والإرهاب في مخطط محاولة تدمير الدولة المصرية.
واقترح مستشار وزير البيئه الأسبق بتطوير قدرات المنظومة الرقابية والأمنية المسئولة عن مكافحة الفساد والجريمة المنظمة والشللية خاصة فيما يتعلق بجمع وتحليل المعلومات لأنها الركن الأهم في العملية الرقابية ومكافحة الفساد .