مراجعات
صباحٌ كأيِّ صباحٍ.. استيقظتُ كعادتي على صوت المنبه، لكن ما لم أكن أدرك أنني لم أستيقظ فقط من النوم، بل من حلمٍ عجيب.. منامٌ جعلني ألتفت حولي، وكأنني غارق في دوامة زمنية، لا أفهم ما يدور حولي.
في الحلم، تابعتُ الإعلان المفاجئ بفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بجائزة نوبل للسلام.. نعم، «ترامب» الرجل الذي أجبر العالم على إعادة قراءة قاموس السلام، ليضيف تحت كلمة «سلام» تعبيرًا جديدًا: «السلام على نيرانه»!
لنا أن نتخيل، «دونالد ترامب»، ذلك الرجل الذي كان بمثابة قنبلة نووية متحركة في السياسة العالمية.. الرئيس الذي يُشعل الحروب، كمن يشعل الشموع في أعياد الميلاد، يعلن في منشور على منصة «Truth Social» عن فوزه بجائزة نوبل!
اللافت في الحلم أن خلفية الشادشة تحمل تاريخ العاشر من أكتوبر 2025، وهو نفس اليوم الذي تم فيه إعلان أسماء الفائزين، الذين سيحضرون حفل تسليم الجوائز في 10 ديسمبر بمدينة أوسلو!
شاهدتُ «ترامب» ببشرته البرتقالية وأوداجه المنتفخة ونرجسيته المعهودة، يقول بصوت مفعم بالثقة والغرور: «أنا نبي السلام، لقد صنعتُ سلامًا لم يُرَ مثله في التاريخ.. أوقفت حروب العالم.. بتغريداتي»!
نعم، كانت تغريداته هي الصواريخ، ونبرته الحادة هي القنابل الخارقة، لكن الملاحظ أن «ترامب» وهو يعلن فوزه، شاهدت في خلفية الشاشة، ارتفاع أعلام الدول المنكوبة من الحروب التي أشعلها حول العالم، ومشاهد «مهرجان الألعاب النارية» المستمر في الشرق الأوسط، التي أطلق شرارتها وأشعل فتيلها!
بالطبع، كانت هناك تفصيلة مهمة في الحلم، وهي أنه لم يفت «ترامب» أنه دعم وساند وأيَّد وَمَوَّل «الكيان الصهيوني»، وأعطاه أكثر مما يستحق، بل إنه تفاخر بمناقبه، إذ فاق كل رؤساء الولايات المتحدة مجتمعين، وانصاع لإرادة قادة الاحتلال، في الدعم العسكري والمخابراتي غير المسبوق، وشن الهجمات على عدد من بلدان الشرق الأوسط، نيابة عن «إسرائيل»!
هنا شعرتُ بأن الحلم بدأ يتحول إلى كابوس، فكيف لرجل تلطَّخت يداه بالنزاعات واحتلال الأراضي أن يُكرم بجائزة للسلام، وهل «نوبل» أصبحت تبيع شهادات شرف لكل سمسار أو تاجر حروب لا يمتلك الشرف؟!
في الحلم، لم يكن «ترامب» وحده، بل كان هناك «باراك أوباما»، «هنري كيسنجر»، «شيمون بيريز»، يقفون في الطابور، لالتقاط صورة تذكارية لـ«الفائزين العظماء»، وكل واحد منهم يحمل حكاية سلام مشوّهة، أو حربًا مغطاة بطبقة رقيقة من الدبلوماسية!
استيقظتُ وأنا أتنهَّد، وأتساءل: منذ متى يكون القتلة ومشعلو الحروب، أبطال سلام، وهل أصبحت الجوائز الرفيعة تأتي من خلال ضغوط وأوامر بالتزكية من ملوك ورؤساء وأمراء وقادة مغلوب على أمرهم؟!
أخيرًا.. استفقتُ بابتسامة عريضة، ليس من الفرح بالطبع، بل من سخرية القدر الذي جعلني أعيش هذا الحلم الغريب، حيث فاز «صانع الحروب» بأعظم جوائز السلام!!
فصل الخطاب:
يقول الكاتب الأمريكي «جور فيدال»: «جائزة نوبل للسلام أصبحت مثل جائزة ترضية في مسابقة لم يشترك فيها أحد».